صفات الرب جل وعلا - الواسطي - الصفحة ١٩
هو سابق التحت والفوق اللذين هما جهتا العالم وهما لا زمان له والرب تعالى في تلك الفردانية منزه عن لوازم الحدوث فلما اقتضت الإرادة المقدسة بخلق الأكوان المحدثة المخلوقة العدودة له ذوات الجهات اقتضت الإرادة أن يكون الكون له جهات من العلو والسفل وهو سبحانه منزه عن صفات الحدوث فكون الأكوان وجعل لها جهتي العلو والسفل واقتضت الحكمة الإلهية ان يكون الكون في جهة التحت لكونه مربوبا مخلوقا واقتضت العظمة الربانية أن يكون هو فوق الكون باعتبار الكون المحدث لا باعتبار فردانيته إذ لا فوق فيها ولا تحت والرب سبحانه وتعالى كما كان في قدمه وأزليته وفردانيته لم يحدث له في ذاته ولا في صفاته ما لم يكن في قدمه وأزليته فهو الآن كما كان لكن لما أحدث المربوب المخلوق ذا الجهات والحدود والخلاء والملاء والفوقية والتحتية كان مقتضى حكم العظمة للربوبية ان يكون فوق ملكه وأن تكون المملكة تحته باعتبار الحدوث من الكون لا باعتبار القدم من المكون فإذا أشير إليه بشئ يستحيل أن يشار إليه من الجهة التحتية أو من جهة اليمنة أو اليسرة بل لا يليق ان يشار إليه إلا من جهة العلو والفوقية ثم الإشارة هي بحسب الكون وحدوثه وأسفله فالإشارة تقع على أعلى جزء من الكون حقيقة وتقع على عظمة الرب وتعالى كما يليق به لا كما يقع على الحقيقة المعتدلة عندنا في أعلى جزء من الكون فإنها إشارة إلى جسم وتلك إشارة إلى إثبات إذا علم ذلك فالاستواء صفة له كانت في قدمه لكن لم يظهر حكمها إلا عند خلق العرش كما أن الحساب صفة قديمة له لا يظهر حكمها إلا في الآخرة وكذلك التجلي في الآخرة لا يظهر حكمه إلا في محله فإذا علم ذلك فالأمر الذي يهرب المتأولون منه حيث أولوا
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»