أرض الحبشة وكان متجرا لقريش وكان يثني على النجاشي بأنه لا يظلم عنده أحد فانطلق المسلمون إلى بلده وانطلق إليها عامة من آمن بالله ورسوله ودخل بنو هاشم وبنو المطلب شعبهم مؤمنهم وكافرهم فالمؤمن دينا والكافر حمية فلما عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد منعه قومه أجمعوا على ألا يبايعوهم ولا يدخلوا إليهم شيئا من الرفق وقطعوا عنهم الأسواق ولم يتركوا طعاما ولا إداما ولا بيعا إلا بادروا إليه واشتروه دونهم ولا يناكحوهم ولا يقبلوا منهم صلحا أبدا ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في الكعبة وتمادوا على العمل بما فيها من ذلك ثلاث سنين فاشتد البلاء على بني هاشم في شعبهم وعلى كل من معهم فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم قوم من بني قصي ممن ولدتهم بنو هاشم وممن سواهم فأجمعوا أمرهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة وبعث الله على صحيفتهم الأرضة فأكلت ولحست ما في الصحيفة من ميثاق وعهد وكان أبو طالب في طول مدتهم في الشعب يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتي فراشه كل ليلة حتى يراه من أراد به شرا أو غائلة فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوته أو بني عمه فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر رسول الله أن يأتي بعض فرشهم فيرقد عليها فلم يزالوا في الشعب على ذلك إلى تمام ثلاث سنين فلما أكملوها تلاوم رجال من قريش وحلفائهم وأجمعوا أمرهم على نقض ما كانوا تظاهروا عليه من القطيعة والبراءة وبعث الله على صحيفتهم الأرضة فلحست كل ما كان فيها من عهد له وميثاق ولم تترك فيها اسما لله عز وجل إلا لحسته وبقي ما كان فيها من شرك أو ظلم أو قطيعة رحم فأطلع الله عز وجل رسوله
(٥٤)