التمهيد - ابن عبد البر - ج ١٩ - الصفحة ١٩٧
قال أبو عمر في حديث مالك هذا من وجوه العمل طرح العالم المسألة من العلم على تلميذه وسؤاله إياه عما هو أعلم به منه أو مثله ليقف على حفظه وعلى ما عنده من ذلك وفيه ما يفسر قوله عليه السلام إن لكل نبي دعوة يدعو بها فأختبأت دعوتي شفاعة لأمتي (6) إن ذلك على وجه الأمنية والعطاء لا على وجه الدعاء لأن دعاءه كله أو أكثره مجاب إن شاء الله ألا ترى أنه قد أجيبت دعوته في أن لا يهلك أمته بالسنين ولا يسلط عليهم عدوا من غيرهم يستأصلهم فكيف يجوز أن يظن أحد أنه لم تكن له إلا دعوة واحدة يستجاب له فيها أو لغيره من الأنبياء هذا ما لا يتوهمه ذو لب إن شاء الله وقد مضى القول في هذا المعنى في باب أبي الزناد والحمد لله وفيه ما كان عليه ابن عمر من التبرك بحركات رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتداء به وتأسيا بحركاته ألا ترى أنه إنما سألهم عن الموضع الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجدهم ليصلي فيه تبركا بذلك ورجاء الخير فيه وفي قول ابن عمر لعبد الله بن عبد الله بن جبار بن عتيك أخبرني بهن ثم قوله له إذ أخبره بهن صدقت دليل على أنه قد كان يعلم ما سأل عنه والله أعلم وقد بان بحمد الله في هذا الحديث أن الله لا يهلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالسنين ولا يعمهم في أقطار الأرض بجوع وجدب وهذا يدل على أن الأرض كلها لا يعمها الجدب أبدا لأن أمته في أكثر أقطارها وإذا لم يعمهم الجدب والقحط والجوع فأحرى الا يعم الأرض وفي هذا الحديث دليل واضح على أن دين محمد صلى الله عليه وسلم لا يزال إلى أن تقوم الساعة ولا يهلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم عدو يستأصلها أبدا وأنها في أكثر أقطار
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»