أو سائقا أو قائدا وحجتهم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم العجماء جرحها جبار ومن حجتهم أيضا أن الذمة بريئة لا يثبت فيها شيء إلا بما لا مدفع فيه وجعلوا حديث جرح العجماء جبار معارضا لحديث البراء بن عازب وليس كما ذهبوا إليه لأن التعارض في الآثار إنما يصح إذا لم يمكن استعمال أحدهما إلا بنفي الآخر وحديث العجماء جرحها جبار معناه على الجملة لم يخص حديث البراء وتبقى له أحكام كثيرة على حسب ما ذكرناها فيما سلف من كتابنا هذا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو جاء عنه في حديث واحد العجماء جرحها جبار نهارا لا ليلا وفي الزرع والحوائط والحرث دون غيره لم يكن هذا مستحيلا من القول فكيف يجوز أن يقال في هذا متعارض وإنما المتعارض والمتضاد المتنافي الذي لا يثبت بعضه إلا بنفي بعض وإنما هذا من باب المجمل والمفسر ومن باب العموم والخصوص وقد بين ذلك في كتاب الأصول بما فيه كفاية والفرق عند أهل العلم في حديث البراء وحديث أبي هريرة في العجماء وبين ما تتلفه العجماء ليلا من الزرع والحرث وبين ما تتلفه نهارا أن أهل المواشي بهم ضرورة إلى إرسال مواشيهم لترعى بالنهار ولأهل الزرع حقوق في أن لا تتلف عليهم زروعهم والأغلب عندهم أن من له الزرع يتعاهده بالنهار ويحفظه عمن أراده لانتشار البهائم للرعي وغيره فجعل حفظ ذلك بالنهار على أهل الزرع لأنه وقت التصرف في المعاش والرعي وحفظ الأموال وإرسال الدواب والمواشي وإذا أتلفت بالنهار من الزرع شيئا فصاحب الزرع إنما أوتي من قبل نفسه حيث لم يحفظه في
(٨٦)