التمهيد - ابن عبد البر - ج ٢ - الصفحة ٢٠١
الليلة من ذلك الشهر ثم تعود فيه في غيرها وفي ذلك دليل على أنها ليس لها ليلة معينة لا تعدوها والله أعلم وكان سبب رفع علمها عنه ما كان من التلاحى بين الرجلين والله أعلم وأما الملاحاة فهي التشاجر ورفع الأصوات والمراجعة بالقول الذي لا يصلح على حال الغضب وذلك شؤم والله أعلم وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وعن المراء أشد النهي وروى عنه عليه السلام أنه قال نهاني ربي عن ملاحاة الرجال وقال الملاحاة السب يقال تلاحيا إذا استبا ولحاني أسمعني ما أكره من قبيح الكلام وأنشد * ألا أيها اللاحي بأن أحضر الوغى * وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي * وقد ينشد هذا البيت على غير هذا * ألا أيها ذا اللائمي أحضر الوغى * ومن شؤم الملاحاة أنهم حرموا بركة ليلة القدر في تلك الليلة وهذا مما سبق في علم الله ولم يحرموها في ذلك العام لأن قوله التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة يدل على ذلك ويحتمل ان يكون النبي عليه السلام منعهم الاخبار بها في ذلك الوقت تأديبا لهم في الملاحاة ويحتمل أن يكون اشتغل باله بتشاجرهما فنسيها وقد روى نحو ذلك منصوصا من حديث أبي سعيد الخدري حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر ابن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يزيد بن زريع عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأواسط من رمضان وهو يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له فلما انقضين أمر بالبناء يعني فرفع فأبينت له أنها في العشر الأواخر من رمضان فأعاد البناء واعتكف العشر الأواخر من رمضان فخرج إلى الناس فقال يا أيها الناس إني أبينت لي ليلة القدر فخرجت أخبركم بها فجاء رجلان يختصمان ومعهما الشيطان
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»