الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٨ - الصفحة ٢٩٠
إذا حسدتم فلا تبغوا وإذا ظننتم فلا تحققوا وإذا تطيرتم فامضوا وعلى الله فتوكلوا ويقال إن الحسد لا يكاد يسلم منه أحد فمن لم يحمله حسده على البغي لم يضره حسده وروينا عن الحسن البصري أنه قال ليس أحد من ولد آدم إلا وقد خلق معه الحسد فمن لم يجاوزه إلى الظلم والبغي لم يتبعه منه شيء وقد أشبعنا هذا المعنى بالآثار عن السلف في ذم الحسد وفضل من لم يحسد الناس في باب الزهري عن أنس في التمهيد وأما قوله ولا تدابروا فقد مضى تفسيره لمالك وغيره في هذا الباب وأما قوله ولا يحل لمسلم أن يهجر أو يهاجر أخاه فهو عندي مخصوص أيضا بحديث كعب بن مالك إذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يهجروه ويقطعوا الكلام عنه والسلام عليه لما أحدثه في تخلفه عن غزوة تبوك وهو قادر على الغزو وقد جعل بعض أهل العلم حديث كعب هذا أصلا في هجران أهل البدع ومن أحدث في الدين ما لم يرض والذي عندي أن من خشي من مجالسته ومكالمته الضرر في الدين أو في الدنيا والزيادة في العداوة والبغضاء فهجرانه والبعد عنه خير من قربه لأنه يحفظ عليك زلاتك ويماريك في صوابك ولا تسلم من سوء عاقبة خلطته ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية وذكر بن وهب عن مالك أنه قال إذا أسلم عليه فقد قطع الهجرة وقال أبو بكر الأثرم قلت لأحمد بن حنبل إذا سلم عليه هل يجزئه من ذلك سلامه قال ينظر إلى ما كان عليه قبل المصارمة فلا يخرجه من الهجران إلا بالعودة إلى ما كان عليه ولا يخرجه من الهجرة إلا سلام ليس معه إعراض ولا إدبار قال أبو عمر قد روي عن مالك أيضا هذا المعنى والآثار المرفوعة تشهد لما رواه بن وهب وقد تقدمت 1681 - مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله
(٢٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 ... » »»