الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٨ - الصفحة ٢٤٩
وتمرها وحرثها ودروب العيش فيها أغزر لاجتماع الناس بها للمتاجر والمكاسب لأن الخير أكثر في البلاد الكبار وحيث الأئمة والسلطان فكيف بالنبي صلى الله عليه وسلم فهذا عندي معنى [خبر] عمر مع عبد الله بن عباس [المخزومي] والله تعالى أعلم ومن الدليل على أن لفظ خير ليس بمعنى أفضل ما روي أن عقيل بن أبي طالب وكان أحد الفصحاء لما أعطاه معاوية عطاء جزلا قال له من خير لك أنا أو أخوك فقال له أنت خير لي من أخي وأخي خير لنفسه منك ومعلوم أن أخاه علي بن أبي طالب كان عنده أفضل أهل زمانه ولكن معاوية كان خيرا له في دنياه وقد ذكر معاوية لابن عمر فقال كان أسود ممن كان قبله يعني الخلفاء قال وكانوا أفضل منه والدليل أيضا على صحة ما تأولناه على عمر في هذا الخبر ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني وأبو يحيى بن أبي ميسرة المكي بمكة قال حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني قال حدثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن سليمان بن عتيق قال سمعت عبد الله بن الزبير يقول سمعت عمر بن الخطاب يقول صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في ما سواه من المساجد إلا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنما فضله عليه بمائة صلاة وأما مالك رحمه الله فلم يختلف عنه أصحابه في أن المدينة أفضل من مكة ومن سائر البلاد وكان يقول مما خص الله عز وجل به المدينة من الخير أنها محفوفة بالشهداء وعلى أنقابها ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال وهي دار الهجرة والسنة وبها كان ينزل القرآن يعني الفرائض والأحكام وبها أخيار الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم واختارها الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته فجعل بها قبره وبها أروضة من رياض الجنة قال أبو عمر في قول عبد الله بن عباس لعمر فيها حرم الله عز وجل وأمنه وفيها بيته ولم يقل هي حرم إبراهيم وترك عمر إنكار ذلك عليه دليل على صحة رواية من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله عز وجل حرم مكة ولم يحرمها الناس
(٢٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 ... » »»