الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٨ - الصفحة ٢٦
قال فدل هذا على أن غير الخمر لم تحرم بعينها كما حرمت الخمر قال أبو عمر قد تقدم عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل مسكر خمر وكل ما أسكر فهو حرام وأن تحريم الخمر نزل بالمدينة وخمرهم كانت يومئذ كانت من التمر وفهموا ذلك فأهرقوها وقد روى أنهم كسروا جرارها وذكرنا قول عمر في جلد ابنه أن شرب ما يسكر ولم يخص خمر عنب من غيرها بل اشترط المسكر وذلك كله يرد ما ذكره الطحاوي وأما اعتلاله بالتكفير فليس بشيء لأن ما ثبت من جهة الإجماع كفر المخالف له بعد العلم به من جهة أخبار الآحاد لم يكفر المخالف فيه ألا ترى أنه لا يكفر القائل بأن أم القرآن جائز الصلاة بغيرها من القرآن وجائز تركها في قراءة الصلاة ولا من قال النكاح بغير ولي جائز لا يكفر ولا من قال الوضوء بغير نية يجزئ ومثل هذا أكثر من أن يحصى ولا يكفر القائل به ويعتقد فيه التحريم والتحلل والحدود ألا ترى أنه لا يكفر من قال لا يقطع سارق في ربع دينار مع ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار الآحاد العدول ومثل هذا كثير ولا يمتنع أحد من أهل العلم من أن يحرم ما قام له الدليل على تحريمه من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإن كان غيره يخالفه في ذلك دليل استدل به ووجه من العلم ذهب إليه وليس في شيء من هذا تكفير ولا خروج من الدين وإنما فيه الخطأ والصواب والله عز وجل يوفق من يشاء برحمته وقد شرب النبيذ الصلب جماعة من علماء التابعين ومن بعدهم بالعراق لأنه لا يحرم عندهم منه إلا المسكر ورووا بما ذهبوا إليه آثارا عن عمر وغيره من السلف إلا أن آثار أهل الحجاز في تحريم المسكر أصح مخرجا وأكثر تواترا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه وبالله التوفيق لا شريك له وروينا عن هشام بن حسان قال سمعت محمد بن سيرين يقول ما أعجب أمر هؤلاء يعني أهل الكوفة لقد لقيت من أصحاب عبد الله علقمة وشريحا
(٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 ... » »»