فلما مات استأذن معاوية عثمان في ركوبه فأذن له فلم يزل حتى كان زمان عمر بن عبد العزيز فمنع الناس من ركوبه في أيامه ثم ركب بعد إلى الآن هذا لما كان من العمرين - رحمة الله عليهما - في التجارة وطلب الدنيا والاستعداد من المال والتكاثر معرضين عن الآخرة وعن جهاد الغزو في البحر فأما ما كان في أداء فريضة الله فلا قد وردت السنة بإباحة ركوب البحر للجهاد في حديث أنس وغيره وهي الحجة وفيها الأسوة واتفق العلماء أن البحر لا يجوز لأحد ركوبه في حين ارتجاجه ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن ليث بن أبي سليم عن نافع عن بن عمر قال ((لا يسلني الله عن جيش ركبوا البحر أبدا)) يعني التغرير وفيه التحري بالإتيان بألفاظ النبي عليه السلام وقد ذهب إلى هذا جماعة ورخص آخرون في الإتيان بالمعاني وإن خالفوا في الألفاظ وفيه أن الجهاد تحت راية كل إمام عادل أو جائر ماض إلى يوم القيامة لأنه قد رأى الآخرين ملوكا على الأسرة كما رأى الأولين ولا نهاية للآخرين إلى قيام الساعة قال الله عز وجل * (ثلة من الأولين وثلة من الآخرين) * [الواقعة 39 40] وهذا على الآية وفيه فضل لمعاوية إذ جعل من غزا تحت رايته من الأولين وإنما قلنا في الحديث دليل على ركوب البحر للجهاد وغيره للرجال والنساء لاستيقاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فرحا بذلك فدل على جوازه وإباحته وفضله وجعلنا المباح فيما ركب فيه البحر قياسا على الغزو فيه ويحتمل بدليل هذا الحديث أن يكون الموت في سبيل الله والقتل سواء في الفضل لأن أم حرام لم تقتل وإنما ماتت من صرعة دابتها وقد ذكرنا في ((التمهيد)) الآثار الشواهد في هذا المعنى واختلافها في ذلك فمنها ما ذكره بن أبي شيبة (1) قال حدثنا وكيع قال حدثنا المسعودي عن
(١٢٨)