الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٣ - الصفحة ٢١٦
جاء رجل إلى الحسن فقال إني رجل من أهل البادية وإنه يبعث علينا عمال يصدقوننا ويظلموننا ويعتدون علينا ويقومون الشاة بعشرة وقيمتها ثلاثة ويقومون الفريضة مائة وثمنها ثلاثون فقال الحسن إن الصدقة لا تؤخذ إلا عفوا ولا تزاد إلا عفوا من أداها سعد بها ومن بخل بها شقي إن القوم والله لو أخذوها منكم ووضعوها في حقها وفي أهلها ما بالوا كثيرا أديتم أو قليلا ولكنهم حكموا لأنفسهم وأخذوا لها قاتلهم الله أنا يؤفكون يا سبحان الله ما لقيت هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم من منافق قهرهم واستأثر عليهم 562 - مالك عن زيد بن أسلم أنه قال شرب عمر بن الخطاب لبنا فأعجبه فسأل الذي سقاه من أين هذا فأخبره أنه ورد على ماء قد سماه فإذا نعم من نعم الصدقة وهم يسقون فحلبوا لي من ألبانها فجعلته في سقائي فهو هذا فأدخل عمر بن الخطاب يده فاستقاءه قال أبو عمر محملة عند أهل العلم أن الذي سقاه اللبن لما لم يكن من ماله وعلم أنه كان من مال الصدقة وكان عمر غنيا لا تحل الصدقة له وكان الذي سقاه إياه لم يملك اللبن ولم يكن من الذي يحل له الصدقة فاستقاءه ولم يبق في جوفه شيئا لا يحل له وهو قادر على دفعه ولم يقدر على أكثر من ذلك لأنه لم يكن كذلك اللبن ملك لمعين يعوضه منه أو يستحله وهو شأن أهل الورع والفضل والدين على أنه لم يشربه إلا غير عامد ولا عالم وقد قال الله عز وجل * (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) * [الأحزاب 5] ولكنه لما علم أن الأموال تضمن بالخطأ ولم يجد مالكا يستحله منه أو يعوضه ولا كان ساقيه له ممن يصح له ملك الصدقة فيعد ذلك اللبن هدية منه له - كما عد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أهدت إليه بريرة من اللحم الذي تصدق به عليها فحل ذلك له لصحة ملك بريرة لما تصدق به عليها - لم يجد بدا من استقاءته (رضي الله عنه) ومع هذا كله فلعله قد أعطى مثل ما حصل في جوفه من اللبن أو قيمته للمساكين فهذا أشبه وأولى به إن شاء الله قال مالك الأمر عندنا أن كل من منع فريضة من فرائض الله عز وجل فلم
(٢١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 ... » »»