الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٢ - الصفحة ٣٦٧
وبلغني أن أبا زرعة الرازي قال خطر ببالي تقصيري وتقصير أكثر الناس في الأعمال من الصيام والحج والجهاد والصلة فكبر ذلك علي فرأيت ليلة في منامي كان آتيا أتاني فضرب بين كتفي قال قد أكثرت في العبادة وأي عبادة أفضل من الصلوات الخمس في جماعة وأما النهر الغمر فهو الكثير الماء والدرن الوسخ ويدل هذا الحديث والله أعلم على أن العذب من الماء أشد إنقاء للدرن كما أن الكثير أشد إنقاء من اليسير وهذا مثل ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم للمصلي يخبر بأن صلاته تكفر عنه سيئاته وهذا محمول عندنا على اجتناب الكبائر وقد أوضحنا هذا المعنى في غير موضع من كتابنا هذا والرواية المحفوظة في الموطأ وغيره يبقي بالياء 393 مالك عن عطاء بن يسار أنه كان إذا مر عليه بعض من يبيع في المسجد دعاه فسأله ما معك وما تريد فإذا أخبره أنه يريد بيعه قال عليك بسوق الدنيا وإنما هذا سوق الآخرة ففيه أن ذلك الزمان كان فيه من عوام أهله من يبيع ويشتري في المسجد ولكنه كان فيه من ينكر ذلك وكان عطاء بن يسار منهم ولا يزال الناس بخير ما أنكر المنكر فيهم ولم يتواطؤوا عليه فإن تواطؤوا عليه هلكوا وكان عطاء بن يسار فاضلا قاضيا واعظا من حملة العلم ورواة الثقات وأما قوله في المسجد أنه سوق الآخرة فمأخوذ من قوله عز وجل " تجرة لن تبور " [فاطر 29] وهي أعمال البر الزاكية ولا عمل أفضل من الصلاة وانتظارها ولزوم المساجد من أجلها حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مطر بن محمد الأسدي الكوفي قال حدثنا عمرو بن محمد الناقد قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن خصيفة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الرجل يبيع ويشتري في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك وإذا رأيتم
(٣٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 362 363 364 365 366 367 368 369 370 371 372 ... » »»