الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٢ - الصفحة ٣٥١
ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون ففيه من الفقه شهود الملائكة للصلاة والأظهر أن ذلك في الجماعات ويحتمل الجماعات وغيرها والله أعلم ومعنى يتعاقبون تأتي طائفة بإثر طائفة وإنما يكون التعاقب بين طائفتين أو بين رجلين مرة هذا ومرة هذا ومنه قولهم الأمير يعقب الجيوش والبعوث أن يرسل هؤلاء وقتا شهرا أو شهورا وهؤلاء مثل ذلك بعدهم ليجهز أولئك فهذا هو التعاقب ومعنى الحديث أن ملائكة النهار تنزل في صلاة الصبح فتحصي على بني آدم ويعرج الذين باتوا فيكم ذلك الوقت أي يصعدون وكل من صعد في شيء فقد عرج ولذلك قيل للدرج العرج فإذا كانت صلاة العصر نزلت ملائكة الليل فأحصوا على بني آدم وعرجت ملائكة النهار ويتعاقبون هكذا أبدا وفي الحديث أنهم يجتمعون في صلاة العصر وصلاة الصبح الفجر وهو أكمل معنى من الحديث الذي روي أنهم يجتمعون في صلاة الفجر خاصة وأظن من مال إلى هذه الرواية احتج بقول الله عز وجل " وقرءان الفجر إن قرءان الفجر كان مشهودا " [الإسراء 78] لأن أهل العلم قالوا في تأويل هذه الآية تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار وليس في هذا دفع لاجتماعهم في صلاة العصر لأن المسكوت عنه قد يكون في معنى المذكور ويكون بخلافه وقد بان في حديث مالك هذا وهو من أثبتها أنهم يجتمون في صلاة العصر أيضا وهي زيادة لها معنى قصر عنه من لم يأت به من الرواة وقد يحتمل أن يكون ذكر " وقرءان الفجر " [الإسراء 78] من أجل الجهر بالقراءة فيها لأن العصر لا تظهر فيها القراءة ومعنى وقرآن الفجر أي قراءة الفجر وقد زدنا معنى هذا الحديث بيانا في التمهيد والحمد لله وفي قوله أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون ولم يذكروا سائر الأعمال دليل على فضل المصلين من هذه الأمة وأن الصلاة أفضل الأعمال 383 وحديثه بعد في هذا الباب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
(٣٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 ... » »»