الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٢ - الصفحة ٢٠٩
في آخر الوقت ولو لم يجز في السفر من سعة الوقت إلا ما جاز في الحضر بطل معنى السفر ومعنى الرخصة والتوسعة لأجله ومعلوم أن الجمع بين الصلاتين في السفر رخصة لمكان السفر وتوسعة في الوقت كما أن القصر في السفر لم يكن إلا من أجل السفر وما يلقى فيه من المشقة في الأغلب وفي ارتقاب المسافر ومراعاته أن لا يكون نزوله إلا في الوقت الذي عده أبو حنيفة مشقة وضيقا لا سعة وقد أجمع العلماء أنه لا يجوز الجمع بين العصر والمغرب ولا بين العشاء والصبح ولو كان (الجمع بين الصلاتين في السفر على ما ذهب أبو حنيفة إليه) والقائلون بقوله لجاز الجمع بين العصر والمغرب بأن يصلي العصر في آخر وقتها ثم يتمهل قليلا ويصلي المغرب وهذا كله شاهد على ما ذهبوا إليه في الجمع بين الصلاتين ودليل على أنهم دفعوا الآثار في ذلك برأيهم وبالله التوفيق لا شريك له وفي حديث مالك عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ في هذا الباب تقدم الإمام إلى العسكر بالنهي عما لا يريد فعله وله العفو فإن خالفه مخالف كانت له معاقبته بما يراه ردعا له عن مثل فعله وله العفو عنه فإن الله عفو يحب العفو ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع حلمه وما كان عليه من الخلق العظيم كيف سب الرجلين وقال لهما ما شاء الله أن يقول إذ خالفاه وأتيا ما قد نهى عنه وفيه علم عظيم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم إذ غسل وجهه ويديه بقليل من ماء تلك العين ثم صبه فيها فجرت العين بماء كثير عمهم وفضل عنهم وتمادى إلى الآن ولعله يتمادى إلى قيام الساعة وهكذا النبوة وأما السحر فلا يبقى بعد مفارقة عين صاحبه والله أعلم قال بن وضاح أنا رأيت ذلك الموضع كله حوالي تلك العين جنانا خضرة نضرة بعده وفيه إخباره صلى الله عليه وسلم بغيب كان بعده وهذا وغيره ليس عجيبا منه ولا مجهولا من شأنه ولا مستغربا من فعله صلى الله عليه وسلم وأما قوله في الحديث والعين تبض بشيء من ماء وهي الرواية عندنا (بالضاد المنقوطة) فمعناه أنها كانت تسيل بشيء من الماء ضعيف
(٢٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 ... » »»