الاستذكار - ابن عبد البر - ج ١ - الصفحة ٣٧٨
وهذا الوعيد إنما خرج على المنافقين الذين كانوا يرغبون عن رسول الله وعن القرب منه ويتأخرون عنه وأما قوله في حديث مالك ((ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا)) (1) فالهاء في (عليه) عائدة على الصف الأول لا على النداء وهو حق الكلام أن يرد الضمير منه إلى أقرب مذكور ولا يرد إلى غير ذلك إلا بدليل وقد قيل أنه ينصرف إلى النداء أيضا وفسره القائل بأنه الموضع الذي لا يؤذن فيه إلا واحد بعد واحد وهذا موضع لا أعرفه في سنة ثابتة ولا قول صحيح وقد روي عن سعد بن أبي وقاص أنه أقرع بين قوم اختلفوا في الأذان ولقول سعد وجوه محتملة فلا حجة فيه لمن ذهب إليه وإنما جاء الاستهام على الصف الأول لا على الأذان وقد روي منصوصا عن النبي - عليه السلام - وعن طائفة من أصحابه ((لو يعلم الناس ما في الصف الأول ما صفوا فيه إلا بقرعة)) (2) وآثار هذا الباب كلها عند بن أبي شيبة وأبي داود وسائر المصنفات وأما التهجير فمعروف وهو البدار إلى الصلاة في أول وقتها وقبل وقتها لمن شاء ثم انتظارها قال الله تعالى * (فاستبقوا الخيرات) * [البقرة 148] وقال عليه السلام ((المهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة)) (3) وتواترت الآثار عن النبي - عليه السلام - أن من انتظر الصلاة - فهو في صلاة ما انتظرها (4) وحسبك من هذا فضلا إذ الصلاة من أفضل أعمال البر ولا ينتظر بها إلا من هجر إليها
(٣٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 ... » »»