" يا مقداد! خذ هذه فاحتلبها، فجزئها أربعة أجزاء: جزءا لي، وجزءا لك، وجزآن لصاحبيك ".
فكنت أفعل ذلك، فلما كان ذات ليلة، شربت جزئي، وشرب صاحباي جزئيهما، وجعلت جزء النبي صلى الله عليه وسلم في القعب، وأطبقت عليه، فاحتبس النبي [صلى الله عليه وسلم] فقالت لي نفسي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعاه أهل بيت من المدينة، فتعشى معهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتاج إلى هذا اللبن، فلم تزل نفسي تديرني حتى قمت إلى القعب، فشربت ما فيه، فلما تقار في بطني أخذني ما قدم وما حدث، فقالت لي نفسي: يجئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جائع ظمآن، فيرفع فلا يجد فيه شيئا فيدعو عليك، فتسجيت كأني نائم، وما كان بي نوم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم تسليمة، أسمع اليقظان، ولم يوقظ النائم، فلما لم ير في القعب شيئا رفع رأسه إلى السماء، فقال: " اللهم أطعم من أطعمنا، واسق من سقانا ".
قال: فاغتنمت دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذت الشفرة، وأنا أريد أن أذبح بعض تلك الأعنز فأطعمه، فضربت بيدي، فوقعت على ضرعها، فإذا هي حافل، ثم نظرت إليهن جميعا فإذا هن حفل، فحلبت في القعب حتى امتلأ، ثم أتيته به وأنا ابتسم، فقال:
" هية! بعض سوأتك يا مقداد ".
قلت: يا رسول الله! اشرب، ثم الخبر.
فشرب، ثم شربت ما بقى منه، ثم أخبرته، فقال:
" يا مقداد! هذه بركة، كان ينبغي لك أن تعلمنا حتى نوقظ صاحبينا فنسقيهما من هذه البركة ".
قال: قلت: يا رسول الله! إذا شربت أنت البركة وأنا، فما أبالي من أخطأت.