عمدة القاري - العيني - ج ٢٤ - الصفحة ٢٥٦
لا مطابقة بين الترجمة وحديث الباب لأنه لا حكم فيه على الغائب، لأن أبا سفيان كان حاضرا في البلد، وأيضا، فإن الحديث استفتاء وجواب وليس بحكم، لأن الحكم له شروط. واحتجاج الشافعي ومن تبعه بهذا الحديث على جواز القضاء على الغائب غير موجه أصلا على ما لا يخفى. وقال صاحب التوضيح وقد تناقض الكوفيون في ذلك فقالوا: لو ادعى رجل عند حاكم أن له على غائب حقا، وجاء رجل فقال: إنه كفيله واعتف له الرجل بأنه كفيله إلا أنه قال: لا شيء له عليه، وقال أبو حنيفة: يحكم على الغائب ويأخذ الحق من الكفيل، وكذلك إذا قامت وطلبت النفقة من مال زوجها فإنه يحكم لها عليه بها عندهم. انتهى. قلت: سبحان الله كيف يقول صاحب التوضيح قال أبو حنيفة يحكم على الغائب ويأخذ الحق من الكفيل، وأبو حنيفة لم يحكم على الغائب، وإنما حكم على الكفيل وهو حاضر، وفي ضمن هذا يقع على الغائب والضمنيات لا تعلل، وأيضا إنكار المدعى عليه شرط جواز القضاء بالبينة ليقع قاطعا للخصومة، ولم يوجد الإنكار فلا يجوز إلا أن يحضر من يقوم مقامه كالكفيل والوكيل والوصي، وكذلك في المسألة الثانية لا يحكم القاضي على الغائب بل يفرض في ماله المودع عند أحد أو الدين أو المضاربة، ولكن بشروط وهي: أن يعلم القاضي بذلك المال وبالنكاح أو باعتراف من كان المال في يده بالمال والنكاح، وبتحليفه إياها على عدم النفقة وأخذ الكفيل منها.
وشيخ البخاري محمد بن كثير ضد القليل وسفيان هو ابن عيينة، وهشام هو ابن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة.
والحديث قد مضى عن قريب في: باب من رأى للقاضي أن يحكم بعلمه.
29 ((باب من قضي له بحق أخيه فلا يأخذه، فإن قضاء الحاكم لا يحل حراما ولا يحرم حلالا)) أي: هذا باب يذكر فيه من قضى له على صيغة المجهول. قوله: بحق أخيه إنما ذكر بالأخوة باعتبار الجنسية لأن المراد خصمه وهو أعم من أن يكون مسلما أو ذميا أو معاهدا أو مرتدا، لأن الحكم في الكل سواء، وقيل: يحتمل أن يكون هذا من باب التهييج وعبر بقوله بحق أخيه، مراعاة للفظ الخبر الذي تقدم في ترك الحيل من طريق الثوري عن هشام بن عروة. قوله: فإن قضاء الحاكم إلى آخره، هذا الكلام من كلام الشافعي فإنه لما ذكر هذا الحديث قال: فيه دلالة على أن الأمة إنما كلفوا القضاء على الظاهر، وفيه أن قضاء القاضي لا يحرم حلالا ولا يحل حراما.
وتحرير هذا الكلام أن مذهب الشافعي وأحمد وأبي ثور وداود وسائر الظاهرية: أن كل قضاء قضى به الحاكم من تمليك مال أو إزالة ملك أو إثبات نكاح أو من حله بطلاق أو بما أشبه ذلك، أن ذلك كله على حكم الباطن، فإن كان ذلك في الباطن كهو في الظاهر، وجب ذلك على ما حكم به، وإن كان ذلك في الباطن على خلاف ما شهد به الشاهد أن على خلاف ما حكم به بشهادتهما على الحكم الظاهر لم يكن قضاء القاضي موجبا شيئا من تمليك ولا تحريم ولا تحليل، وهو قول الثوري والأوزاعي ومالك وأبي يوسف أيضا. وقال ابن حزم: لا يحل ما كان حراما قبل قضائه، ولا يحرم ما كان حلالا قبل قضائه، إنما القاضي منفذ على الممتنع فقط لا مزية له سوى هذا، وقال الشعبي وأبو حنيفة ومحمد: ما كان من تمليك مال فهو على حكم الباطن، وما كان من ذلك من قضاء بطلاق أو نكاح بشهود ظاهرهم العدالة وباطنهم الجراحة فحكم الحاكم بشهادتهم على ظاهرهم الذي تعبد الله أن يحكم بشهادة مثلهم معه، فذلك يجزيهم في الباطن لكفايته في الظاهر.
7181 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن زينب ابنة أبي سلمة أخبرته أن أم سلمة زوج النبي أخبرتها عن رسول الله أنه سمع خصومة بباب حجرته فخرج إليهم
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»