قصة آدم بخصوصها كتبت قبل خلقه بأربعين سنة، ويجوز أن يكون ذلك القدر مدة لبثه طينا إلى أن نفخت فيه الروح، فقد ثبت في (صحيح مسلم): أن بين تصويره طينا ونفخ الروح فيه كان مدة أربعين سننة، ولا يخالف ذلك كتابة المقادير عموما قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. فإن قلت: وقع في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: أتلومني على أمر قدره لله علي قبل أن يخلق السماوات والأرض؟.
قلت: تحمل مدة الأربعين سنة على ما يتعلق بالكتابة، ويحمل الآخر على ما يتعلق بالعلم. قوله: (فحج آدم موسى)، آدم مرفوع بلا خلاف وشذ بعض الناس فقرأه بالنصب على أن آدم المفعول وموسى في محل الرفع على أنه الفاعل، نقله الحافظ أبو بكر بن الخاصة عن مسعود بن ناصر السجزي الحافظ، قال: سمعته يقرأ: فحج آدم، بالنصب قال: وكان قدريا. وقد روى أحمد من رواية الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ: (فحجه آدم)، وهذا يقطع الإشكال فإن رواته أئمة حفاظ، والزهري من كبار الفقهاء الحفاظ، ومعنى: فحج أي: غلبه بالحجة، يقال: حاججت فلانا فحججته مثل خاصمته فخصمته، وقال الخطابي: إنا حجه آدم في رفع اللوم إذ ليس لأحد من الآدميين أن يلوم أحدا به. وقال النووي: معناه أنك تعلم أنه مقدر فلا تلمني، وأيضا اللوم شرعي لا عقلي، وإذا تاب الله عليه وغفر له ذنبه زال عنه اللوم فمن لامه كان محجوجا. قوله: (ثلاثا) أي قال: حج آدم موسى ثلاث مرات، وفي حديث رواه عمرو بن أبي عمرو عن الأعرج. (لقد حج آدم موسى، لقد حج آدم موسى، لقد آدم حج موسى).
فإن قلت: متى كان ملاقاة آدم وموسى؟.
قلت: قيل يحتمل أن يكون في زمن موسى عليه السلام، وأحيا الله له آدم معجزة له فكلمه أو كشف له عن قبره فتحدثا، أو أراه الله روحه كما أرى النبي صلى الله عليه وسلم، ليلة المعراج أرواح الأنبياء عليهم السلام، أو أراه الله في المنام رؤيا، ورؤيا الأنبياء وحي، أو كان ذلك بعد وفاة موسى فالتقيا في البرزخ أول ما مات موسى فالتقت أرواحهما في السماء، وبذلك جزم ابن عبد البر والقابسي، أو أن ذلك لم يقع، وإنما يقع بعد في الآخرة، والتعبير عنه بلفظ الماضي لأنه محقق الوقوع فكأنه قد وقع. فإن قلت: لم خص موسى عليه السلام، بالذكر؟.
قلت: ليكونه أول نبي بعث بالتكاليف الشديدة. فإن قلت: ما وجه وقوع الغلبة لآدم، عليه السلام؟.
قلت: لأنه ليس لمخلوق أن يلوم مخلوقا في وقوع ما قدر عليه إلا بإذن من الله، فيكون الشارع هو اللائم، فلما أخذ موسى في لومه من غير أن يؤذن له في ذلك عارضه بالقدر. فأسكنه، وقيل: إن الذي فعله آدم اجتمع فيه القدر والكسب والتوبة تمحو أثر الكسب، وقد كان الله تاب عليه فلم يبق إلا القدر، والقدر لا يتوجه عليه لوم فعل الله، ولا يسأل عما يفعل. وقيل: إن آدم أب وموسى ابن وليس للابن أن يلوم أباه، حكاه القرطبي. فإن قلت: فالعاصي اليوم لو قال: هذه المعصية قدرت علي، فينبغي أن يسقط عنه اللوم.
قلت: هو باق في دار التكليف، وفي لومه زجر له ولغيره عنها، وأما آدم فميت خارج عن هذه الدار، فلم يكن في القول فائدة سوى التخجيل ونحوه.
قال سفيان: حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.. مثله.
أي: قال سفيان بن عيينة: حدثنا أبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة، وهذا موصول وهو معطوف على قوله: حفظناه من عمرو وفي رواية الحميدي قال: وحدثنا أبو الزناد، بإثبات الواو، وهي أظهر في المراد، وقيل: أخطأ من زعم أن هذا الطريق معلق، وقد أخرجه الإسماعيلي منفردا بعد أن ساق طريق طاووس عن جماعة عن سفيان، فقال: أخبرنيه القاسم يعني ابن زكريا حدثنا إسحاق بن حاتم العلاف حدثنا سفيان عن عمرو مثله، سواء، وزاد: قال: وحدثني سفيان عن أبي الزناد به.
21 ((باب لا مانع لما أعطى الله)) أي: هذا باب في بيان: لا مانع لما أعطى الله، ويروى: لما أعطاه الله، وهذا منتزع من معنى حديث الباب، فلفظ الحديث: لا مانع لما أعطيت.