عمدة القاري - العيني - ج ٢١ - الصفحة ٩٨
بحديث الاصطياد بالكلب الذي ليس بمعلم، وبالعلة التي في الحديث المذكور لأنه قال: (لا ينكى به العدو) فمفهوم هذا أن ما ينكي العدو ويقتل الصيد: لا ينهى عنه لزوال علة النهي، وهذا دليل مفهوم. قلت: هذا ليس بحجة عند الجمهور.
6 ((باب: * (من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد أو ماشية) *)) أي: هذا باب في بيان من اقتنى من الاقتناء. وهو الاتخاذ والإدخار للقنية. قوله: (ليس بكلب صيد) صفة لقوله: (كلبا) وماشية، أي: أوليس بكلب ماشية، وهو اسم يقع على الإبل والبقر والغنم، ولكن أكثر ما يستعمل في الغنم، ويجمع على المواشي ولم يبين الحكم اكتفاء بما في الحديث.
5480 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد العزيز بن مسلم حدثنا عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من اقتنى كلبا ليس بكلب ماشية أو ضارية نقص كل يوم من عمله قيراطان.
مطابقته للجزء الثاني للترجمة وهو قوله أو ماشية صريحا، وللجزء الأول من حيث المعنى، وهو قوله: (وضارية) لأنه من ضري الكلب بالصيد ضراوة أي: تعود. وكان حقه أن يقال: أو ضار، ولكنه أنث للتناسب للفظ ماشية نحو: لا دريت ولا تليت، وحقه تلوت وكذلك نحو الغدايا والعشايا وقيل: صفة للجماعة الصائدين أصحاب الكلاب المعتادة للصيد فسموا ضارية استعارة.
والحديث قد مضى في المزارعة في: باب اقتناء الكلب للحرث، من رواية أبي هريرة، وفيه أيضا من رواية سفيان بن أبي زهير كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومضى أيضا من حديث أبي هريرة في كتاب بدء الخلق في: باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم، وعن سفيان بن أبي زهير أيضا فيه، ومضى الكلام فيه مستوفى.
قوله: (قيراطان) وجاء في حديث آخر: قيراط قال ابن بطال: إنه غلظ عليهم في اتخاذها لأنها تروع الناس فلم ينتهوا. فزاد في التغليظ فجعل مكان قيراط قيراطين وفي (التوضيح) هل هذا النقص من ماضي عمله أو من مستقبله؟ أو قيراط من عمل النهار وقيراط من عمل الليل، أو قيراط من الفرض وقيراط من النفل؟ فيه خلاف حكاه في (البحر) والقيراط في الأصل نصف دانق والمراد هنا مقدار معلوم عند الله. أي: ننقص الجزء من أجزأ عمله.
5481 حدثنا المكي بن إبراهيم أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان قال: سمعت سالما يقول: سمعت عبد الله بن عمر يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: من اقتنى كلبا إلا كلب ضار لصيد أو كلب ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان.
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن المكي بن إبراهيم بن بشير البلخي، وقال الكرماني: منسوب إلى مكة شرفها الله، وليس كذلك، بل هو علم له يروي عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي، واسم أبي سفيان الأسود بن عبد الرحمن مات سنة إحدى وخمسين ومائة.
قوله: (إلا كلب ضار) من إضافة الموصوف إلى صفته، نحو: شجر الأراك، وقيل: لفظ ضار صفة للرجل الصائد أي: إلا كلب الرجل المعتاد للصيد، ويروى: ضاري، والقياس حذف الياء منه، ولكن جاء في لغة إثبات الياء في المنقوص. فإن قلت: ما وجه هذا الاستثناء؟ قلت: إلا هاهنا بمعنى غير، والاستثناء متعذر اللهم إلا أن ينزل النكرة منزلة المعرفة فيكون استثناء. قوله: (قيراطان)، ويروى: قيراطين، وفيما مضى أيضا وجه الرفع ظاهر لأنه فاعل ينقص هنا، وهناك نقص، وأما وجه النصب فلأن نقص جاء لازما متعديا باعتبار اشتقاقه من النقصان والنقص.
واختلفوا في سبب نقصان الأجر باقتناء الكلب، فقيل: لامتناع الملائكة من دخول بيته، وقيل: لما يلحق المارين من الأذى، وقيل: لما يبتلى به من ولوغه في الإناء عند غفلة صاحبه وقال الكرماني: فإن قلت: كيف يجمع بين الحصرين؟ إذ المحصور هنا كلب الماشية والحرث، ومفهوم أحدهما دخول كلب الصيد في المستثنى منه، ومفهوم الآخر خروجه عنه وهما متنافيان وكذا حكم كلب الحرث، فإنه مستثنى وغير مستثنى قلت:
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 ... » »»