عمدة القاري - العيني - ج ٢٠ - الصفحة ٣١١
قال هو عروة، كذا قال بعضهم. قلت: فاعل قال هو عروة بلا احتمال، فليتأمل. قوله: (إما أنه) بفتح همزة أما وتخفيف ميمها، وهي حرف استفتاح بمنزلة ألا وكلمة: أن، بعدها تكسر بخلاف، إما، التي بمعنى: حقا فإنها تفتح بعدها، والضمير في: أنه، للشأن. قوله: (ليس لها خير في ذكر هذا الحديث) لأن الشخص لا ينبغي له أن يذكر شيئا عليه فيه غضاضة.
قوله: (وزاد ابن أبي الزناد)، أي: زاد عبد الرحمن بن أبي الزناد بالنون واسمه عبد الله أبو محمد المدني فيه مقال، فقال النسائي: لا يحتج بحديثه، وقال ابن عدي: بعض رواياته لا يتابع عليها، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صدوق وفي بعض حديثه ضعف، وعن يحيى بن معين: أثبت الناس في هشام بن عروة، استشهد به البخاري في (صحيحه) وروى له في غيره، وروى له مسلم في مقدمة كتابه، وروى له الأربعة، ووصل هذه الزيادة المعلقة أبو داود عن سليمان بن داود: أنبأنا ابن وهب أخبرني عبد الحمن بن أبي الزناد.. فذكره. قوله: (عابت عائشة)، يعني: بن علي فاطمة بنت قيس، وقالت يعني: عائشة. قوله: (وحش) بفتح الواو وسكون الحاء المهملة وبالشين المعجمة أي: مكان خال لا أنيس به. قوله: (فلذلك) أي: فلأجل كونها في مكان وحش أرخص لها بالانتقال وقد احترق ابن حزم هنا، فقال: هذا حديث باطل لأنه من رواية ابن أبي الزناد وهو ضعيف جدا، ورد بما ذكرنا، ولا سيما قول يحيى بن معين: هو أثبت الناس في هشام بن عروة.
والحاصل من هذه الأحاديث بيان رد عائشة حديث فاطمة بنت قيس بن علي الوجه الذي ذكرته من غير بيان العلة فيه، وأن المطلقة المبانة لها النفقة والسكنى. وقال صاحب (الهداية): وحديث فاطمة رده عمر، رضي الله تعالى عنه، فإنه قال: لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم بقول امرأة لا ندري صدقت أم كذبت، حفظت أم نسيت؟ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
للمطلقة الثلاث النفقة والسكنى ما دامت في العدة، ورده أيضا زيد بن ثابت وأسامة بن زيد وجابر وعائشة رضي الله عنهم، وقال بعضهم: ادعى. بعض الحنفية أن في بعض طرق حديث عمر: للمطلقة ثلاثا السكنى والنفقة، ورده ابن السمعاني بأنه من قول بعض المجازفين فلا تحل روايته، وقد أنكر أحمد ثبوت ذلك عن عمر أصلا ولعله أراد ما ورد من طريق إبراهيم النخعي عن عمر رضي الله تعالى عنه، لكونه لم يلقه. انتهى. قلت: ما المجازف إلا من ينسب المجازفة إلى العلماء من غير بيان، فإن كان مستنده إنكار أحمد ثبوت ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه، فلا يفيده ذلك لأن الذين قالوا بذلك يقولون بثبوت ذلك عن عمر، فالمثبت أولى من النافي لأن معه زيادة علم. وقد قال الطحاوي، الذي هو إمام جهبذ في هذا الفن: لما جاءت فاطمة بنت قيس فروت عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لها: إنما السكنى والنفقة لمن كانت عليها الرجعة، خالفت بذلك كتاب الله تعالى نصا، لأن كتاب الله تعالى قد جعل السكنى لمن لا رجعة عليها، وخالفت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن عمر رضي الله عنه، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ما روت، فخرج المعنى الذي منه أنكر عليها عمر ما أنكر خروجا صحيحا، وبطل حديث فاطمة فلم يجب العمل به أصلا انتهى. وأراد بقوله: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ما روت. قوله: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول لها: السكنى والنفقة، أي للمبتوتة، وكذا روى جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: المطلقة ثلاثا لها السكنى والنفقة، رواه الدارقطني من حديث حرب بن أبي العالية عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره. فإن قلت: قال عبد الحق في (أحكامه): وحرب بن أبي العالية لا يحتج به، ضعفه يحيى بن معين في رواية الداروردي عنه، وضعفه في رواية ابن أبي خيثمة، والأشبه وقفه بن علي جابر. انتهى. قلت: حديث حرب بن أبي العالية في (صحيح مسلم) وأخرج له أيضا الحاكم في (مستدركه) ويكفي توفيق مسلم إياه، وروى الطحاوي أيضا من حديث الشعبي عن فاطمة أنها أخبرت عمر بن الخطاب بأن زوجها طلقها ثلاثا، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لا نفقة لك ولا سكنى، فأخبرت بذلك النخعي فقال: أخبر عمر ذلك فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: لها السكنى والنفقة. فإن قلت: لم يدرك إبراهيم عمر لأنه ولد بعده بسنتين. قلت: لا يضر ذلك لأن مرسل إبراهيم يحتج به، ولا سيما بن علي أصلنا، فافهم.
24 ((باب المطلقة إذا خشي عليها في مسكن زوجها أن يقتحم عليها أو تبذو بن علي أهلها بفاحشة))
(٣١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 » »»