عمدة القاري - العيني - ج ٢٠ - الصفحة ١٣٩
نفسها لك فر فيها رأيك. فلم يجبها شيئا، ثم قامت فقالت: يا رسول الله! إنها قد وهبت نفسها لك فر فيها رأيك، فلم قامت الثالثة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لك فر فيها رأيك. فقام رجل فقال: يا رسول الله! أنكحنيها. قال: هل عندك من شيء؟ قال: لا. قال: إذهبفاطلب ولو خاتما من حديد، فذهب فطلب ثم جاء فقال: ما وجدت شيئا ولا خاتما من حديد، فقال: هل معك من القرآن شيء؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا. قال: إذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة فإن فيه التزويج بن علي القرآن من غير ذكر صداق. وعلي بن عبد الله بن المديني، وسفيان بن عيينة وأبو حازم سلمة بن دينار. والحديث قد مر بطرق كثيرة ومتون مختلفة وقد ذكرنا أن الشافعي ذهب إلى هذه الأحاديث وإلى أن آخذ الأجر بن علي تعليم القرآن جائز. وقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك والليث والمزني. لا يكون تعليم القرآن مهرا، زاد أبو حنيفة، رضي الله تعالى عنه، وأصحابه: فإن تزوج بن علي ذلك فالنكاح جائز، وهو في حكم من لم يسم لها مهرا فلها مهر مثلها إن دخل بها، وإن لم يدخل بها فلها المتعة. وقال الطحاوي: قوله: أنكحتكها أو زوجتكها أو أملكتكها بما معك من القرآن خاص بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز لغيره، لأن الله تعالى أباح له ملك البضع بغير صداق، ولم يجعل ذلك لغيره، بقوله: خالصة لك من دون المؤمنين، فكان له خصه الله تعالى أن ملك غيره ما كان له ملكه صداق، ويكون ذلك خاصا به. وقال الليث: لا يجوز لأحد أن يتزوج بالقرآن، والدليل بن علي صحة ذلك أنها قالت: قد وهبت لك نفسي، فقام رجل فقال: إن لم تكن حاجة لك بها حاجة فزوجنيها، ولم يذكر في الحديث أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شاورها في نفسها، ولا أنها قالت: زوجني منه، فدل بن علي أنه صلى الله عليه وسلم كان له أن يهبها بالهبة التي جاز له نكاحها. فإن قلت: يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم سألها أن يزوجها منه ولم ينقل؟ قلت: يحتمل أن يكون جعل لها مهرا غير السور ولم ينقل، ليس أحدهما أولى من الآخر. فإن قلت: قد روي أنه استأذنها وأنه قال: له عوضها إذا زوقك الله. قلت: قد ذكرنا خصوصيته صلى الله عليه وسلم فلا يحتاج إلى شيء آخر. وقال أبو عمر: أجمع علماء المسلمين بن علي أنه لا يجوز لأحد أن يطأ فرجا وهب له دون رقبته، وأنه لا يجوز وطء في نكاح بغير صداق مسمى دينا أو نقدا، وأن المفوض إليه لا يدخل حتى يسمي صداقا مسمى. انتهى ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم زوجها بما معه من القرآن لحرمته، وعلى وجه التعظيم للقرآن وأهله لا بن علي أنه مهر، ويحتمل أن يريد بقوله: (ولو خاتما من حديد) تعجيل شيء يقدمه من الصداق وإن كان قليلا، فيدل بن علي ذلك أنه كان يجوز أن يزوجه بن علي مهر في ذمته، وقال ابن العربي: ذكر خاتم الحديد كان قبل النهي عنه بقوله صلى الله عليه وسلم: إنه حلية أهل النار، فنسخ النهي جوازه وطلبه له. قال بعض المالكية: لعل الخاتم كان يساوي ربع دينار فصاعدا لقلة الصناع يومئذ عندهم. قلت: للحنفي أيضا أن يقول: لعله كان يساوي عشرة فما فوقها.
قوله: (إذ قامت امرأة) كلمة: إذ للمفاجأة، وقد مر الكلام فيه لأن هذا الحديث قد ذكر إلى هنا في كتاب النكاح ثمان مرات مطولا ولا مختصرا. قوله: (فقالت: يا رسول الله! إنها قد وهبت نفسها) فيه التفات. وكذا في رواية حماد بن زيد، لكن قال: إنها وهبت نفسها لله ولرسوله، ووقع في رواية مالك: إني وهبت نفسي لك، هذا بن علي ما يقتضيه سياق الكلام. قوله: (فر) الفاء للعطف و: ر، وحدها أمر من: رأى يرأى بن علي وزن: ف، لأن عين الفعل ولامه محذوفان، لأن أصله: أرأى، بن علي وزن: افعل، حذفت لام الفعل للجزم لأن الأمر مجزوم ثم نقلت حركة الهمزة إلى الراء للتخفيف فاستغنيت عن همزة الوصل فحذفت فبقي: ر، بن علي وزن: ف، وقال الكرماني: ويروى بهمزة بعد الراء. قلت: القاعدة في مثل هذا الباب نحو: ر، و: ق، و: ع، وغيرها أن يلحقها هذه السكت، فيقال: ره، وقه، وعه. لأن الابتداء بكلمة الوقوف عليها وهي حرف واحد فيه بعض تعسر واستثقال، وبقية الكلام فيه قد مرت بالتكرار.
15 ((باب المهر بالعروض وخاتم من حديد)) أي: هذا باب في بيان المهر الذي يجعل بالعروض، بضم العين جمع عرض بفتح أوله وسكون ثانيه، وهو ما يقابل النقد، وقيل:
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»