الحاكم بينهما. والرجل ملاعن والمرأة ملاعنة وسمي به لما فيه من لعن نفسه في الخامسة، وهي من تسمية الكل باسم البعض كالصلاة تسمى ركوعا وسجودا، ومعناه الشرعي: شهادات مؤكدات بالأيمان مقرونة باللعن. وقال الشافعي: هي أيمان مؤكدات بلفظ الشهادة فيشترط أهلية اليمين عنده فيجري بين المسلم وامرأته الكافرة، وبين الكافر والكافرة، وبين العبد وامرأته، وبه قال مالك وأحمد، وعندنا يشترط أهلية الشهادة فلا يجري إلا بين المسلمين الحرين العاقلين البالغين غير محدودين في قذف، واختير لفظ اللعن بن علي لفظ الغضب وإن كنا مذكورين في الآية لتقدمه فيهما، ولأن جانب الرجل فيه أقوى من جانب المرأة، لأنه قادر بن علي الابتداء باللعان دونها. ولأنه قد ينكف لعانه عن لعانها ولا ينعكس، واختصت المرأة بالغضب لعظم الذنب بالنسبة إليها لأن الرجل إن كان كاذبا لم يصل ذنبه إلى أكثر من القذف، وإن كانت هي كاذبة فذنبها أعظم لما فيه من تلويث الفراش والتعرض لإلحاق من ليس من الزوج به فتنتشر المحرمية وتثبت الولاية والميراث لمن لا يستحقهما، وجوز اللعان لحفظ الأنساب ودفع المعرة عن الأزواج، واجمع العلماء بن علي صحته.
وقول الله تعالى: * ((24) والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) * إلى قوله: * ((24) إن كان من الصادقين) * (النور: 6) [/ ح.
وقول الله بالجر عطفا بن علي لفظ اللعان المضاف إليه لفظ باب، وهذا المقدار ذكر من الآية عند الأكثرين، وفي رواية كريمة ساق الآيات كلها، ونزلت هذه الآيات في شعبان سنة تسع في عويمر العجلاني منصرفه من تبوك، أو في هلال بن أمية، وعليه الجمهور، وقال المهلب: الصحيح أن القاذف عويمر وهلال بن أمية بن سعد بن أمية خطا، وقد روى أبو القاسم عن ابن عباس أن العجلاني عويمر قذف امرأته، كما روى ابن عمر وسهل بن سعد، وأظنه غلطا من هشام بن حسان، ومما يدل بن علي أنها قصة واحدة توقفه صلى الله عليه وسلم فيها حتى نزلت الآية الكريمة، ولو أنهما قضيتان لم يتوقف بن علي الحكم في الثانية بما نزل عليه في الأولى، والظاهر أنه تبع في هذا الكلام محمد بن جرير فإنه قال في (التهذيب) يستنكر قوله في الحديث: هلال ابن أمية، وإنما القاذف عويمر بن الحارث بن زيد بن الجد بن عجلان. وقال صاحب (التلويح): وفيما قالاه نظر، لأن قصة هلال وقذفه زوجته بشريك ثابتة في (صحيح البخاري) في موضعين: في الشهادات والتفسير، وفي (صحيح مسلم) من حديث هشام عن محمد قال: (سألت أنس بن مالك، وأنا أرى أن عنده منه علما، فقال: إن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سمحاء، وكان أخا للبراء بن مالك لأمه، وكان أول رجل لا عن في الإسلام قال: فتلاعنا).. الحديث.
فإذا قذف الأخرس امرأته بكتابة أو إشارة أو بإيماء معروف فهو كالمتكلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قد أجاز الإشارة في الفرائض، وهو قول بعض أهل الحجاز وأهل العلم، وقال الله تعالى: * ((19) فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا) * (مريم: 92) وقال الضحاك: إلا رمزا: إلا إشارة.
وقال بعض الناس: لا حد ولا لعان، ثم زعم أن الطلاق بكتاب أو إشارة أو إيماء جائز، وليس بين الطلاق والقذف فرق، فإن قال: القذف لا يكون إلا بكلام، قيل له: كذلك الطلاق لا يجوز إلا بكلام، وإلا بطل الطلاق والقذف، وكذلك الأصم يلاعن.
وقال الشعبي وقتادة: إذا قال: أنت طالق، فأشار بأصابعه تبين منه بإشارته.
وقال إبراهيم: الأخرس إذا كتب الطلاق بيده لزمه.
وقال حماد: الأخرس والأصم إن قال برأسه جاز.
أراد البخاري بهذا الكلام كله بيان الاختلاف بين أهل الحجاز وبين الكوفيين في حكم الأخرس في اللعان والحد، فلذلك قال: فإذا قذف الأخرس إلى آخره، بالفاء عقيب ذكر قوله تعالى: * (والذين يرمون أزواجهم) * (النور: 6)... الآية. وأخذ بعموم قوله: يرمون، لأن الرمي أعم من أن يكون باللفظ أو بالإشارة المفهمة، وبنى بن علي هذا كلامه، فقال: إذا قذف الأخرس امرأته