القسم بن علي يوم وليلة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبه قال مالك وأبو ثور وأبو إسحاق المروزي من الشافعية. وقال شيخنا زين الدين رحمه الله: وحمل الشافعي ذلك بن علي الأولوية والاستحباب، ونص بن علي جواز القسم ليلتين ليلتين وثلاثا وثلاثا. وقال في (المختصر) وأكره مجاوزة الثلاث فحمله الأكثرون بن علي المنع ونقل عن نصه في (الإملاء) أنه كان يقسم مياومة ومشاهرة ومسانهة، قال الرافعي: فحملوه بن علي ما إذا رضين ولم يجعلوه قولا آخر، وحكى عن صاحب (التقريب) أنه: يجوز أن يقسم سبعا سبعا. وعن الشيخ أبي محمد الجويني وغيره أنه تجوز الزيادة ما لم تبلغ التربص بمدة الإيلاء وقال إمام الحرمين: لا يجوز أن يبني القسم بن علي خمس سنين مثلا، وحكى الغزالي في (البسيط) وجها: أنه لا تقدير بزمان ولا توقيت أصلا فإنما التقدير إلى الزوج انتهى كلامه.
قلت: وقال ابن المنذر: ولا أرى مجاوزة يوم إذ لا حجة مع من تحظى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غيرها. ألا ترى قوله في الحديث: أن سودة وهبت يومها لعائشة، ولم يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قسمته لأزواجه أكثر من يوم وليلة، ولو جاز ثلاثة لجاز خمسة شهرا، ثم يتخطى بالقول إلى ما لا نهاية له، فلا يجوز معارضة السنة.
وفيه: مشروعية القسم بين النساء وهو متفق بن علي استحبابه، فإما وجوبه فادعى صاحب (المفهم) الاتفاق بن علي وجوبه، فقال شيخنا: وفي دعوى الاتفاق نظر فقال النووي في (شرح مسلم: مذهبنا إنه لا يلزم أن يقسم لنسائه، بل له إحسانهن كلهن، لكن يكره تعطيلهن. قال الرافعي: وعن القاضي أبي حامد حكاية أنه يجب القسم بينهن ولا يجوز له الإعراض.
99 ((باب العدل بين النساء. * (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء) * إلى قوله: * (واسعا حكيما) * (النساء: 921، 031)) .
أي: هذا باب في بيان العدل بين النساء، يعني إذا كان رجل له امرأتان أو ثلاث أو أربع يجب عليه أن يعدل بينهن في القسم، إلا برضاهن، بأن يرضين بتفضيل بعضهن بن علي بعض، ويحسن معهن عشرتهن ولا يدخل بينهن من التحاسد والعداوة ما يكدر صحبته لهن، وتمام العدل أيضا بينهن تسويتهن في النفقة والكسوة والهبة ونحوها قوله: * (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء) * (النساء: 921) أي: لن تطيقوا أيها الرجال أن تسووا بين نسائكم في حبهن بقلوبكم حتى تعدلوا بينهن في ذلك لأن ذلك مما لا تملكونه، ولو حرصتم في تسويتكم بينهن في ذلك، وروت الأربعة من حديث عبد الله بن يزيد عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل، ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك قوله: فيما أملك أي: فيما قدرتني عليه مما يدخل تحت القدرة والاختيار بخلاف ما لا قدرة عليه من ميل القلب فإنه لا يدخل تحت القدرة. وروى الأربعة أيضا من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جات يوم القيامة وشقه ساقط. قيل: المراد سقوط شقه حقيقة أو المراد سقوط حجته بالنسبة إلى إحدى امرأتيه التي مال عليها مع الأخرى؟ والظاهر الحقيقة، تدل عليها رواية أبي داود: وشقه مائل، والجزاء من جنس العمل، ولما لم يعدل أو حاد عن الحق، والجور الميل كان عذابه بأن يجيء يوم القيامة بن علي رؤوس الأشهاد وأحد شقيه مائل فإن قلت: أمر المزوجون بالعدل بين نسائهم، والآية تخبر بأنهم لا يستطيعون أن يعدلوا قلت: المنفي في الآية العدل بينهن من كل جهة ألا ترى كيف قال النبي صلى الله عليه وسلم: فلا تلمني فيما تملك ولا أملك؟ وقال الترمذي: يعني به الحب والمودة لأن ذلك مما لا يملكه الرجل ولا هو في قدرته. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنه عنهما: لا تستطيع أن تعدل بالشهوة فيما بينهن ولو حرصت، وقال ابن المنذر: دلت هذه الآية بن علي أن التسوية بينهن في المحبة غير واجبة، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عائشة أحب إليه من غيرها من أزواجه، فلا تميلوا كل الميل بأهوائكم حتى يحملكم ذلك بن علي أن تجوروا في القسم بن علي التي لا تحبون. قوله: إلى قوله: * (وسعا حكيما) * (النساء: 031) يعني: إلى آخر الآيتين. وأولهما من قوله: * (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وأن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما وإن يتفرقا يغن الله كلا سعته وكان الله واسعا حكيما) * (النساء: 921، 031) قوله: (فلا تميلوا كل الميل) أي: فلا تجوروا بن علي المرغوب عنها كل الجور فتمنعوها قسمتها من غير رضاها. قوله: (فتذروها) أي فتتركوها كالمعلقة وهي التي ليست بذات بعل ولا مطلقة، وقيل: لا أيم ولا ذات زوج. قوله: (وأن تصلحوا) أي: فيما بينكم وبينهن بالاجتهاد منكم في العدل