أحد، أي: لا تنقله الناس إلى بيوتهم لرداءته، وفي رواية أبي عبيد: (فينتقى)، من النقى بكسر النون وهو المخ، أي: يستخرج نقيه، وحاصله: أنه قليل الخير من جهة أنه لحم جمل لا لحم غنم، وأنه مهزول رديء وأنه صعب التناول لا يوصل إليه إلا بمشقة شديدة أي: خيره قليل ذاتا وصفة. وقال أبو سعيد النيسابوري: ليس شيء أخبث غثاثة بين الأنعام من الجمل لأنه يجمع خبث الريح وخبث الطعم حتى ضرب به المثل، وصفت زوجها بالبخل وقلة الخيروبعده من أن ينال خيره مع قلته كاللحم الهزيل المنتن الذي يزهد فيه فلا يطلب، فكيف إذا كان في رأس جبل صعب وعر لا ينال إلا بمشقة، وذهب الخطابي إلى أن تمثيلها بالجبل الوعر هنا إشارة إلى سوء خلقه، والذهاب بنفسه وترفعه تيها وكبرا، تريد أنه: مع قلة خيره يتكبر بن علي عشيرته فيجمع إلى البخل سوء الخلق، وهو تشبيه الجلي بالخفي، والمتوهم بالمحسوس والحقير بالخطير.
قوله: (وقالت الثانية) أي: المرأة الثانية، وهي عمرة بنت عمرو التميمي. قوله: (لا أبث) من البث بالباء الموحدة والثاء المثلثة وهو الإظهار والإشاعة، وفي رواية حكاها عياض: (لا أنثه). بالنون بدل الباء أي: لا أنشره ولا أشيعه، ووقع في رواية الطبراني: (لا أنم)، بالنون والميم من النميمة. قوله: (إني أخاف أن لا أذره) فيه تأويلان لأن الهاء إما عائدة إلى الخبر أي: خبره طويل إن شرعت في تفصيله لا أقدر بن علي إتمامه لكثرته أو إلى الزوج وتكون: لا، زائدة أي: أخاف أن يطلقني فأذره، أي: فأتركه. وقال الكرماني: التأويل الثالث أن يقال: إن معناه أخاف أن أبث خبره، إذ عدم الترك وهو الإبثاث والتبيين، ووقع في رواية الزبير: زوجي من لا أذكره ولا أبث خبره. قوله: (أذكر عجره وبجره) جواب: إن، والعجر، بضم العين المهملة وفتح الجيم، والبجر بضم الباء الموحدة وفتح الجيم، والمراد بهما: عيوبه، والمشهور في الاستعمال أن يراد به الأمور كلها، وقيل: العجرة نفخة في الظهر والبجرة نفخة في السرة، ويقال: العجر معقد العروق والعصب في الجسد حتى تراها ناتئة في الجسد، والبجر كذلك إلا أنها مختصة بالبطن فيما ذكره الأصمعي، وأحدها بجرة، ومنه قيل: رجل أبجر إذا كان عظيم البطن، وامرأة بجراء، ويقال الفلان بجرة إذا كان ناتىء السرة عظيمها، وقال الأخفش: العجر العقد تكون في سائر البدن، والبجر تكون في القلب، وقال أبو سعيد النيسابوري: لم يأت أبو عبيدة بالمعنى في هذا، وإنما عنت أن زوجها كثير العيوب في أخلاقه منعقد النفس عن المكارم، وقال ابن فارس: يقال في المثل: أفضيت إليه بعجري وبجري أي: بأمري كله وعن الأصمعي: يستعلمل ذلك في المعائب، أي: ذكر عيوبه، وقال يعقوب: أسراره، وعبارة غيره: عيوبه الباطنة وأسراره الكامنة، وعن علي، رضي الله تعالى عنه، في وقعة الجمل: (إلى الله أشكو عجري وبجري) أي: همومي وأحزاني، وقيل: العجر ظاهرها والبجر باطنها. قال الشاعر:
* لم يبق عندي ما يباع بدرهم * يكفيك عجر حالتي عن بجري * * إلا بقايا ماء وجه صنته * لأبيعه، فعسى تكون المشتري * قوله: (قالت الثالثة)، أي: المرأة الثالثة وهي: حيي بنت كعب اليماني. قوله: (العشنق) بفتح العين المهملة والمعجمة وفتح النون المشددة، وبالقاف، وقال أبو عبيدة وجماعة: هو الطويل، وزاد الثعالبي: المذموم الطول، وقال الخليل: هو طويل العنق وقال ابن حبيب: هو المقدام بن علي ما يريد الشرس في أموره، وقيل: السئ الخلق، وقال الأصمعي: أرادت أنه ليس عنده أكثر من طوله بلا نفع، ويجمع بن علي : عشانقة، والمرأة عشنقة، وقال أبو سعيد الضرير: الصحيح أن العشنق الطويل النجيب الذي يملك أمر نفسه ولا يحكم النساء فيه، بل يحكم فيهن بما شاء، فزوجته تهابة أن تنطق بحضرته فهي تسكن بن علي مضض. قال الزمخشري: وهي الشكاية البليغة. قوله: (إن أنطق أطلق) يعني: إن ذكرت عيوبه يطلقني (وإن أسكت أعلق) يعني: إن أسكت عنه أعلق يعني يتركني لا عزبا ولا مزوجة، كما في قوله تعالى: * (فتذروها كالمعلقة) * (النساء: 921) فكأنها قالت: أنا عنده لا ذات زوج فانتفع به ولا مطلقة فأتفرغ لغيره. فهي كالمعلقة بين العلو والسفل لا تستقر بأحدهما، وكل واحد من قولها: (أطلق) و (أعلق) بن علي صيغة المجهول مجزومان لأنهما جواب الشرط.
قوله: (قالت الرابعة)، وهي: مهدد، بفتح الميم وإسكان الهاء وفتح الدال المهملة الأولى، ويقال: مهرة بالراء بنت أبي هرومة بالراء المضمومة، ويقال: أرومة. قوله: (كليل تهامة) شبهت زوجها بليل تهامة، وتمدحه أي: كليل أهل مكة أصحاب الأمن، أو كليل ركدت الرياح فيه، أو كليل الربيع وقت تغير الهواء من البرودة إلى الحرارة وظهور اعتداله،