عمدة القاري - العيني - ج ١٤ - الصفحة ٩٦
الهجرة. وأجاب بعضهم بأن تمني الفضل والخير لا يستلزم الوقوع. قلت: أو هو ورد على المبالغة في فضل الجهاد والقتل فيه، وسيجئ عن أنس في الشهيد: (أنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة)، وروى الحاكم بسند صحيح عن جابر: كان النبي، صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أصحاب أحد، قال: (والله لوددت أني غودرت مع أصحابي بفحص الجبل)، وفحص الجبل ما بسط منه وكشف من نواحيه.
ذكر ما يستفاد منه: فيه: أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمنى من أفعال الخير ما يعلم أنه لا يعطاه، حرصا منه على الوصول إلى أعلى درجات الشاكرين، وبذلا لنفسه في مرضاة ربه، وإعلاء كلمة دينه، ورغبته في الازدياد من ثواب ربه، ولتتأسي به أمته في ذلك، وقد يثاب المرء على نيته، وسيأتي في كتاب التمني ما يتمناه الصالحون مما لا سبيل إلى كونه. وفيه: إباحة القسم بالله على كل ما يعتقده المرء بما يحتاج فيه إلى يمين وما لا يحتاج، وكذا ما كان يقول في كلامه: (لا ومقلب القلوب)، لأن في اليمين بالله توحيدا وتعظيما له تعالى، وإنما يكره تعمد الحنث. وفيه: أن الجهاد ليس بفرض معين على كل أحد، ولو كان معينا ما تخلف الشارع ولا أباح لغيره التخلف عنه، ولو شق على أمته إذا كانوا يطيقونه، هذا إذا كان العدو لم يفجأ المسلمين في دارهم ولا ظهر عليهم وإلا فهو فرض عين على كل من له قوة. وفيه: أن الإمام والعالم يجوز لهما ترك فعل الطاعة إذا لم يطق أصحابه ونصحاؤه على الإتيان بمثل ما يقدر عليه، هو منها إلى وقت قدرة الجميع عليها، وذلك من كرم الصحبة وآداب الأخلاق. وفيه: عظم فضل الشهادة.
8972 حدثنا يوسف بن يعقوب الصفار قل حدثنا إسماعيل بن علية عن أيوب عن حميد بن هلال عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب ثم أخذها خالد بن الوليد عن غير إمرة ففتح له وقال ما يسرنا أنهم عندنا قال أيوب أو قال ما يسرهم أنهم عندنا وعيناه تذرفان.
.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (ما يسرهم أنهم عندنا) وذلك أنهم لما رأوا من الكرامة بالشهادة فلا يعجبهم أن يعودوا إلى الدنيا، كما كانوا من غير أن يستشهدوا مرة أخرى، ويوسف بن يعقوب الصفار، بفتح الصاد المهملة وتشديد الفاء وبالراء: الكوفي، مات في سنة إحدى وثلاثين ومائتين ولم يخرج له البخاري سوى هذا الحديث، وأيوب هو السختياني، وحميد بن بلال ابن هبيرة العدوي البصري.
وهذا الحديث قد مر في كتاب الجنائز في: باب الرجل ينعى إلى أهل الميت، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (زيد)، هو زيد بن حارثة، وجعفر هو ابن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، بفتح الراء وتخفيف الواو وبالحاء المهملة. قوله: (عن غير إمرة) بكسر الهمزة، أي: بغير أن يجعله أحد أميرا لهم. قوله: (قال أيوب) هو الراوي المذكور. قوله: (أو قال)، شك من أيوب. قوله: (تذرفان)، أي: تسيلان دمعا، والجملة حالية.
8 ((باب فضل من يصرع في سبيل الله فمات فهو منهم)) أي: هذا باب في بيان فضل من يصرع، وكلمة: من، موصولة تضمنت معنى الشرط فلذلك دخلت الفاء في جوابها، وهو قوله: فهو منهم، أي: من المجاهدين. قوله: (فمات)، عطف على قوله: يصرع، وعطف الماضي على المضارع قليل. وقوله: (فمات)، سقط من رواية النسفي.
وقول الله تعالى * (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله) * (النساء: 001). وقع وجب وقول الله، مجرور عطفا على قوله: فضل من يصرع، وقال أبو عمر: روى هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير، في قوله:
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»