عمدة القاري - العيني - ج ١٤ - الصفحة ٤٨
ونقل صاحب (التلويح): عن الإسماعيلي أنه قال: حديث أبي هريرة هذا وابن عباس أيضا مرسلان، لأن الآية نزلت بمكة، وابن عباس كان صغيرا، وأبو هريرة أسلم بالمدينة. وأجيب عنه بأنه يمكن أن يكونا سمعا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابي آخر.
ثم إن الإجماع قام على أن اسم الولد يقع على البنين والبنات، وأن النساء التي من صلبه وعصبته كالابنة والأخت والعمة يدخلن في الأقارب إذا وقف على أقاربه، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم خص عمته بالنذارة كما خص ابنته، وكذلك من كان في معناهما ممن يجمعه معه أب واحد، وروى أشهب عن مالك: أن الأم لا تدخل. وقال ابن القاسم: تدخل الأم في ذلك ولا تدخل الأخوات لأم.
واختلفوا في ولد البنات وولد العمات ممن لا يجتمع مع الموصى والمحبس في أب واحد، هل يدخلون بالقرابة أم لا؟ فقال أبو حنيفة والشافعي: إذا وقف وقف على ولده دخل فيه ولد ولده وولد بناته ما تناسلوا، وكذلك إذا أوصى لقرابته يدخل فيه ولد البنات، والقرابة عند أبي حنيفة: كل ذي رحم، فسقط عنده ابن العم والعمة وابن الخال والخالة، لأنهم ليسوا بمحرمين، والقرابة عند الشافعي: كل ذي رحم محرم وغيره، ولم يسقط عنده ابن العم ولا غيره، وقال صاحب (التوضيح): صحح أصحابه أنه لا يدخل في القرابة الأصول والفروع ويدخل كل قرابة وإن بعد. وقال مالك: لا يدخل في ذلك ولد البنات وقوله: لقرابتي وعقبي، كقوله: لولدي، وقوله: ولدي، يدخل فيه: ولد البنين. ومن يرجع إلى عصبة الأب وصلبه، ولا يدخل ولد البنات. وحجة من أدخل ولد البنت قوله صلى الله عليه وسلم: (إن ابني هذا سيد في الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما). وقال تعالى: * (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) * (الحجرات: 31). والتولد من جهة الأم كالتولد من جهة الأب، وقد دل القرآن على ذلك قال تعالى: * (ومن ذريته داود) * إلى أن قال: * (وعيسى) * (الأنعام: 48). فجعل عيسى من ذريته وهو ابن بنته، ولم يفرق في الاسم بين ابنه وبين بنته. وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم: إنما سمى الحسن ابنا على وجه التخنن، وأبوه في الحقيقة علي، رضي الله تعالى عنه، وإليه نسبه، وقد قال صلى الله عليه وسلم في العباس: (اتركوا لي أبي)، وهو عمه وإن كان الأب حقيقة خلافه وعيسى، عليه الصلاة والسلام، جرى عليه اسم الذرية على طريق الاتساع.
قوله: (سليني ما شئت)، فيه أن الائتلاف للمسلمين وغيرهم بالمال جائز، وفي الكافر آكد.
تابعه أصبغ عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب هذه المتابعة أخرجها مسلم عن حرملة عن عبد الله بن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب، وأبي سلمة ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين أنزل الله عليه * (وأنذر عشيرتك الأقربين...) * (الشعراء: 412). الحديث.
21 ((باب هل ينتفع الواقف بوقفه؟)) أي: هذا باب يذكر فيه: هل ينتفع الواقف بوقفه الذي وقفه؟ وإنما ذكره بكلمة: هل، الاستفهامية لمكان الخلاف فيه، وانتفاع الواقف بوقفه أعم من أن يكون الوقف على نفسه أو أن يجعل جزءا كم ريعه على نفسه، أو أن يجعل النظر عليه لنفسه.
وقد اشترط عمر رضي الله تعالى عنه: لا جناح على من وليه أن يأكل هذه قطعة من قصة وقف عمر، رضي الله تعالى عنه، وقد مضى موصولا في آخر الشروط. قيل: ذكره لاشتراط عمر، لا حجة فيه، لأن عمر أخرجها عن يده ووليها غيره، فجعل لمن وليها أن يأكل على شرطه. قوله: (أن يأكل) ويروى: (أن يأكل منها). وقال ابن بطال: لا يجوز للواقف أن ينتفع بوقفه. لأنه أخرجه لله تعالى، وقطعه عن ملكه، فانتفاعه بشيء منه رجوع في صدقته، وقد نهى الشارع عن ذلك، وإنما يجوز له الانتفاع به إن شرط ذلك في الوقف أو إن يفتقر المحبس أو ورثته فيجوز لهم الأكل منه. وقال ابن القصار: من حبس دارا أو سلاحا أو عبدا في سبيل الله، فأنفذ ذلك في وجوهه زمانا، ثم أراد أن ينتفع به مع الناس، فإن كان من حاجة فلا بأس، وذكر ابن حبيب عن مالك قال: من حبس أصلا يجري
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»