وقال الحسن إذا قال لمملوكه عند الموت قد كنت أعتقتك جاز الحسن هو البصري، وهذا على أصله أن إقرار المريض نافذ مطلقا، فهذا على إطلاقه يتناول أن يكون من جميع ماله، ويخالفه غيره فلا يعتق إلا من الثلث.
وقال الشعبي إذا قالت المرأة عند موتها إن زوجي قضاني وقبضت منه جاز الشعبي هو عامر. قوله: (قضاني)، يعني: أداني حقي، جاز إقرارها. قال ابن التين: لأنها لا تتهم بالميل إلى زوجها في تلك الحالة، ولا سيما إذا كان لها ولد من غيره.
وقال بعض الناس لا يجوز إقراره لسوء الظن به للورثة ثم استحسن فقال يجوز إقراره بالوديعة والبضاعة والمضاربة قال صاحب (التوضيح): المراد ببعض الناس أبو حنيفة. وقال الكرماني. قوله: (وقال بعض الناس) أي، كالحنفية. قلت: هذا كله تشنيع على أبي حنيفة أو على الحنفية مطلقا، مع أن فيه سوء الأدب على ما لا يخفى. قوله: (لا يجوز إقراره)، أي: إقرار المريض لبعض الورثة. قوله: (لسوء الظن به)، أي: بهذا الإقرار، أي: مظنة أن يريد الإساءة بالبعض الآخر منهم، وهذا لا يطلق عليه سوء الظن، ولم يعلل الحنفية عدم جواز إقرار المريض لبعض الورثة بهذه العبارة، بل قالوا: لا يجوز ذلك لأنه ضرر لبقية الورثة مع ورود قوله، صلى الله عليه وسلم: (لا وصية لوارث ولا إقرار له بدين)، ومذهب مالك كمذهب أبي حنيفة: إذا اتهم وهو اختيار الروياني من الشافعية، وعن شريح والحسن بن صالح: لا يجوز إقرار المريض لوارث إلا لزوجته بصداقها، وعن القاسم وسالم والثوري: لا يجوز إقرار المريض لوارثه مطلقا، وزعم ابن المنذر: أن الشافعي رجع إلى قول هؤلاء، وبه قال أحمد، والعجب من البخاري أنه خصص الحنفية بالتشنيع عليهم وهم ما هم منفردون فيما ذهبوا إليه، ولكن ليس هذا إلا بسبب أمر سبق فيما بينهم، والله أعلم. قوله: (ثم استحسن)، أي: بعض الناس، هذا، أي: رأى بالاستحسان، فقال... إلى آخره والفرق بين الإقرار بالدين وبين الإقرار بالوديعة والبضاعة والمضاربة ظاهر، لأن مبنى الإقرار بالدين على اللزوم، ومبنى الإقرار بهذه الأشياء المذكورة على الأمانة، وبين اللزوم والأمانة فرق عظيم.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث احتج البخاري بهذا القول نقلا عن الحنفية لسوء الظن به للورثة، وذلك لأن الظن محذر عنه لقوله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن)، وإنما يصح هذا الاحتجاج إذا ثبت أن الحنفية عللوا بسوء الظن به للورثة، وقد منعنا هذا عن قريب، ولئن سلمنا أن هذا ظن فلا نسلم أنه ظن فاسد، والمحذر عنه الظن الفاسد، ثم هذا الحديث الذي ذكره معلقا طرف من حديث سيأتي في الأدب موصولا من وجهين عن أبي هريرة، وقال الكرماني: فإن قلت: الصدق والكذب صفتان للقول لا للظن، ثم إنهما لا يقبلان الزيادة والنقص، فكيف يبنى منه أفعل التفضيل؟ قلت: جعل الظن للمتكلم فوصف بهما كما وصف المتكلم، فيقال متكلم صادق وكاذب، والمتكلم يقبل الزيادة والنقصان في الصدق والكذب، فيقال: زيد أصدق من عمرو، فمعناه: الظن أكذب في الحديث من غيره.
ولا يحل مال المسلمين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: آية المنافق إذا ائتمن خان هذا احتجاج آخر لما ادعاه البخاري، ولكن لا يستقيم لأن فيه تعسفا شديدا، لأن الكرماني وجهه بالجر الثقيل على ما لا يخفى، وهو أنه إذا وجب ترك الخيانة وجب الإقرار بما عليه، وإذا أقر لا بد من اعتبار إقراره، وإلا لم يكن لإيجاب الإقرار فائدة. انتهى. قلت: سلمنا وجوب ترك الخيانة، ولكن لا نسلم وجوب الإقرار بما عليه إلا في موضع ليس فيه تهمة ولا أذى للغير، كما في الإقرار للأجنبي، وأما الإقرار لوارثه ففيه تهمة ظاهرة، وأذى ظاهر لبقية الورثة، وهذا ظاهر لا يدفع. فإن قلت: هذا