عمدة القاري - العيني - ج ١٤ - الصفحة ٢٠٦
5392 حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد عن أيوب عن ابن مليكة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليك فلعنتهم فقال مالك قلت أولم تسمع ما قالوا قال فلم تسمعي ما قلت وعليكم.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (وعليكم) لأن معناه: وعليكم السام، أي: الموت، وهو دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في الحديث: يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا.
وحماد هو ابن زيد، وأيوب هو السختياني، وابن أبي مليكة بضم الميم اسمه عبد الله، واسم أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي الأحول المكي القاضي على عهد ابن الزبير، رضي الله تعالى عنهم.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن محمد بن سلام وفي الدعوات عن قتيبة وذكر في الاستيذان حديث ابن عمر وأنس رضي الله تعالى عنهم، وعند النسائي من حديث أبي بصرة. قال صلى الله عليه وسلم: إني راكب إلى اليهود فمن انطلق معي، فإن سلموا عليكم فقولوا: وعليكم. وعند ابن ماجة من حديث أبي إسحاق عن أبي عبد الرحمن الجهني، وصحبته مختلف فيها، مثله. وعند ابن حبان من حديث أنس قال: قال، صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما قال؟ قالوا: سلم. قال: لا، إنما قال: السام عليكم، أي: تسامون دينكم، فإذا سلم عليكم رجل من أهل الكتاب فقولوا: وعليك.
قوله: (السام عليك)، بتخفيف الميم، أي: الموت. قوله: فلعنتهم أي: قالت عائشة: فلعنت هؤلاء اليهود. قوله: (فقال مالك)، أي: فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لعائشة: أي شيء حصل لك حتى لعنت هؤلاء؟ فأجابت عائشة بقولها: قلت: يا رسول الله! أولم تسمع ما قال هؤلاء؟ فقال، صلى الله عليه وسلم: فلم تسمعي ما قلت؟ وعليكم. يعني: السام عليكم، فرديت عليهم ما قالوا. فإنما قلت يستجاب لي وما قالوا ألغوا يرد عليهم. ثم أنه صلى الله تعالى عليه وسلم رد عليهم ما قالوا وفي قوله: (وعليكم) قال الخطابي: رواية عامة المحدثين بإثبات الواو، وكان ابن عيينة يرويه بحذفها، وهو الصواب، وذلك أنه إذا حذفها صار قولهم الذي قالوه بعينه مردودا عليهم، وبإدخال الواو يقع الاشتراك معهم والدخول فيما قالوه، لأن الواو حرف العطف والاجتماع بين الشيئين، وفي رواية يحيى عن مالك عن ابن دينار: عليك، بلفظ الواحد، وقال القرطبي: الواو هنا زائدة، وقيل: للاستئناف، وحذفها أحسن في المعنى، وإثباتها أصح رواية وأشهر. وقال أبو محمد المنذري: من فسر السام بالموت فلا يبعد الواو، ومن فسره بالسأمة فإسقاطها هو الوجه. قال ابن الجوزي: وكان قتادة يمد ألف السآمة.
فوائد: ذهب عامة السلف وجماعة الفقهاء أن أهل الكتاب لا يبدأون بالسلام، حاشى ابن عباس، وصدي ابن عجلان وابن محيريز فإنهم جوزوه ابتداء. وقال النووي: وهو وجه لبعض أصحابنا، حكاه الماوردي، ولكنه قال: يقول: عليك، ولا يقول: عليكم، بالجمع، وحكى أيضا أن بعض أصحابنا جوز أن يقول: وعليكم السلام، فقط ولا يقول: ورحمة الله وبركاته، وهو ضعيف مخالف للأحاديث. وذهب آخرون إلى جواز الابتداء للضرورة أو لحاجة تعن له إليه أو لذمام أو نسب، وروى ذلك عن إبراهيم وعلقمة، وقال الأوزاعي: إن سلمت فقد سلم الصالحون، وإن تركت فقد ترك الصالحون، وتؤول لهم قولهم: لا تبتدؤهم بالسلام، أي: لا تبتدأوهم كصنيعكم بالمسلمين. واختلفوا في رد السلام عليهم فقالت طائفة: رد السلام فريضة على المسلمين والكفار، قالوا: وهذا تأويل قوله تعالى: * (فحيوا بأحسن منها وردوها) * (النساء: 68). قال ابن عباس وقتادة في آخرين: هي عامة في الرد على المسلمين والكفار. وقوله: * (أو ردوها) * (النساء: 68). يقول للكافر: وعليكم. قال ابن عباس: من سلم عليك من خلق الله تعالى فاردد عليه، وإن كان مجوسيا. وروى ابن عبد البر عن أبي أمامة الباهلي أنه كان لا يمر بمسلم ولا يهودي ولا نصراني إلا بدأه بالسلام. وعن ابن مسعود وأبي الدرداء وفضالة بن عبيد أنهم كانوا يبدأون أهل الكتاب بالسلام، وكتب ابن عباس إلى كتابي: السلام عليك. وقال: لو قال لي فرعون خيرا لرددت عليه، وقيل لمحمد بن كعب: إن عمر بن عبد العزيز يرد عليهم ولا يبدأوهم، فقال ما أرى بإنسان يبدأهم بالسلام، لقول الله تعالى: * (فاصفح عنهم وقل سلام) * (الزخرف: 98). وقالت طائفة: لا يرد السلام على الكتابي، والآية مخصوصة بالمسلمين، وهو قول الأكثرين، وعن ابن طاووس، يقول: علاك السلام، واختار بعضهم أن يرد
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»