والحديث بون عظيم، على أن الأوصاف المذكورة فيه وفي الحديث الذي بعده كلها أوصاف الترك، فإذا كان الترك أجناسا كثيرة لا يلزم أن ينتعل كلهم نعال الشعر، وأما بابك الذي ذكره فهو بباءين موحدتين مفتوحتين، وفي آخره كاف يقال له بابك الخرمي، بضم الخاء المعجمة وتشديد الراء المفتوحة، وكان قد أظهر الزندقة وتبعه طائفة فقويت شوكته في أيام المأمون وغلبوا على بلاد كثيرة من بلاد العجم إلى أن قتل في أيام المعتصم في سنة اثنتين وعشرين ومائتين، وكان خروجه في سنة إحدى ومائتين. قوله: (عراض الوجوه)، قال ابن قرقول: أي: سعتها. قوله: (المجان)، بفتح الميم وتشديد النون جمع: مجن، بكسر الميم وهو الترس. قوله: (المطرقة)، بضم الميم وسكون الطاء المهملة وفتح الراء. قال الخطابي: هي التي ألبست الأطرقة من الجلود، وهي الأعشية منها شبه عرض وجوههم ونتوء وجناتهم بظهور الترس، والأطرقة جمع طراق، وهو جلدة تقدر على قدر الدرقة وتلصق عليها. وقال القاضي البيضاوي: شبه وجوههم بالترس لبسطها وتدويرها، وبالمطرقة لغلظها وكثرة لحمها. وقال الهروي: المجان المطرقة هي التي أطرقت بالعصب أي ألبست به. وقيل: المطرقة هي التي ألبست الطراق وهو الجلد الذي يغشاه ويعمل هذا حتى يبقى كأنه ترس على ترس، وقال ابن قرقول: قال بعضهم الأصوب فيه المطرقة، بتشديد الراء، وهو ما ركب بعضه فوق بعض.
فإن قلت: هذا الخبر من جملة معجزات النبي صلى الله عليه وسلم حيث أخبر عن أمر سيكون، فهل وقع هذا أم سيقع؟ قلت: قد وقع بضع ذلك على ما أخبر به رسول الله، صلى الله عليه وسلم في سنة سبع عشرة وستمائة، وقد خرج جيش عظيم من الترك فقتلوا أهل ما وراء النهر وما دونه من جميع بلاد خراسان، ولم ينج منهم إلا من اختفى في المغارات والكهوف، فهتكوا في بلاد الإسلام إلى أن وصلوا إلى بلاد قهستان، فخربوا مدينة الري وقزوين وأبهر وزنجان وأردبيل ومراغة كرسي بلاد إذربيجان واستأصلوا شأفة من في هذه البلاد من سائر الطوائف، واستباحوا النساء وذبحوا الأولاد، ثم وصلوا إلى العراق الثاني، وأعظم مدنه مدينة أصفهان، وقتلوا فيها من الخلائق ما لا يحصى، وربطوا خيولهم إلى سواري المساجد والجوامع، كما جاء في الحديث.
وروى أبو داود الطيالسي من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لينزلن طائفة من أمتي أرضا يقال لها البصرة، فيجيء بنو قنطوراء عراض الوجوه صغار العيون حتى ينزلوا على جسر لهم يقال له دجلة، فيفترق المسلمون ثلاث فرق: أما فرقة فتأخذ بأذناب الإبل فتلحق بالبادية فهلكت، وأما فرقة فتأخذ على أنفسها فكفرت، فهذه وذلك سواء، وأما فرقة فيجعلون عيالاتهم خلف ظهورهم ويقاتلون، فقتلاهم شهيد، ويفتح الله على بقيتهم.
وروى البيهقي من حديث بريدة: إن أمتي يسوقها قوم عراض الوجوه، كأن وجوههم الجحف، ثلاث مرات حتى يلحقوهم بجزيرة العرب، قالوا: يا نبي الله! من هم؟ قال: الترك، والذي نفسي بيده ليربطن خيولهم إلى سواري مساجد المسلمين.
8292 حدثنا سعيد بن محمد قال حدثنا يعقوب قال حدثنا أبي عن صالح عن الأعرج قال قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك صغار الأعين حمر الوجوه ذلف الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر.
.
مطابقته للترجمة أظهر من مطابقة الحديث السابق، لأن فيه التصريح بلفظ الترك.
وسيد بن محمد أبو عبد الله الجرمي الكوفي المتشيع، ويعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أصله مدني سكن بالعراق، يروي عن أبيه إبراهيم المذكور، وصالح هو ابن كيسان، والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز.
قوله: (ذلف الأنوف)، بضم الذال المعجمة جمع: الأذلف، وهو صغر الأنف مستوى الأرنبة، وهو الفطس. وقيل: قصر الأنف وانبطاحه، ورواه بعضهم بدال مهملة، وقال ابن قرقول: وقيدناه بالوجهين، وبالمعجمة أكثر. وقيل: تشمير الأنف عن الشفة، وعن ابن فارس: الذلف الاستواء في طرف الأنف، والعرف تقول: أملح النساء الذلف، والأنوف جمع أنف مثل: فلس وفلوس، ويجمع على أنف وإناف. وفي (المخصص): هو جمع المنخر، وسمي أنفا لتقدمه.