عمدة القاري - العيني - ج ١٤ - الصفحة ١٧٢
بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم: كساء إسود مربع له علمان. قوله: (إن أعطي) على صيغة المجهول، قال ابن بطال: أي إن أعطى ماله عمل ورضي عن خالقه، وإن لم يعط لم يرض ويتسخط بما قدر له، فصح بهذا أنه عبد في طلب هذين فوجب الدعاء عليه بالتعس لأنه أوقف عمله على متاع الدنيا الفاني وترك النعيم الباقي. قوله: (لم يرفعه إسرائيل)، أي: لم يرفع الحديث إسرائيل ابن يونس عن أبي حصين، بل وقفه عليه، وكذا محمد بن جحادة. قوله: (وزادنا عمرو)، وهو عمرو بن مرزوق أحد مشايخ البخاري، ويروى: وزاد لنا، والذي زاد له هو قوله: وانتكس... إلى آخره، وروى أبو نعيم الأصبهاني حديث عمرو هذا عن حبيب بن الحسن عن يوسف القاضي، حدثنا عمرو بن مرزوق أنبأنا عبد الرحمن بن عبد الله... فذكره. قوله: (وانتكس) بالسين المهملة، أي: عاوده المرض كما بدأ به، وقال الطيبي: أي انقلب على رأسه، وهو دعاء عليه بالخيبة، لأن من انتكس فقد خاب وخسر. وقال صاحب (المطالع): ذكره بالشين المعجمة وفسره بالرجوع وجعله دعاء له لا عليه، والأول أوجه. قوله: (وإذا شيك)، بكسر الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف بعدها كاف، أي إذا أصابته شوكة لا قدر على إخراجها بالمنقاش، وهو معنى قوله: (انتقش) بالقاف والشين المعجمة، يقال: نقشت الشوكة إذا أخرجتها بالمنقاش، ويقال: انتقش الرجل إذا سل الشوكة من قدمه، وذكر ابن قتيبة أن بعضهم رواه بالعين المهملة بدل القاف، ومعناه صحيح، لكن مع ذكر الشوكة تقوى رواية القاف، ووقع في رواية الأصيلي عن أبي زيد المروزي: وإذا شئت، بتاء مثناة من فوق بدل الكاف، وهو خطأ فاحش، وإنما خص إنقاش الشوك بالذكر، لأن الإنقاش أسهل ما يتصور في المعاونة لمن أصابه مكروه، فإذا نفى ذلك الأهون فيكون ما فوق ذلك منفيا بالطريق الأولى. قوله: (طوبى لعبد)، طوبى على وزن: فعلى، من الطيب، فلما ضمت الطاء انقلبت الياء واوا، وطوبى: اسم الجنة، وقيل: هي شجرة فيها، ويقال: طوبى لك، وطوباك، بالإضافة. قوله: (آخذ) اسم فاعل من الأخذ مجرور، لأنه صفة عبد، و: العنان، بكسر العين لجام الفرس. قوله: (أشعث) صفة لعبد بفتح الثاء، لأن جره بالفتحة لأنه غير منصرف. وقوله: (رأسه)، مرفوع لأنه فاعل ويجوز في أشعث الرفع، قاله الكرماني ولم يبين وجهه، وقال بعضهم: ويجوز في أشعث الرفع على أنه صفة الرأس، أي: رأسه أشعث. قلت: هذا الذي ذكره لا يصح عند المعربين، والرأس فاعل أشعث، وكيف يكون وصفته والموصوف لا يتقدم على الصفة والتقدير الذي قدره يؤدي إلى إلغاء قوله رأسه بعد قوله: أشعث، وقال الطيبي: أشعث رأسه مغبرة قدماه حالان من قوله: لعبد، لأنه موصوف. قوله: (إن كان في الحراسة) أي: في حراسة العدو، خوفا من أن يهجم العدو عليهم وذلك يكون في مقدمة الجيش والساقة مؤخرة الجيش، والمعنى إيتماره لما أمر وإقامته حيث أقيم لا يفقد من مكانه بحال، وإنما ذكر الحراسة والساقة لأنهما أشد مشقة وأكثر آفة، الأول عند دخولهم دار الحرب، والآخر عند خروجهم منها. فإن قلت: ما وجه اتحاد الشرط والجزاء؟ قلت: وجه ذلك أنه يدل على فخامة الجزاء وكماله نحو من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، أي: من كان في الساقة فهو في أمر عظيم، أو المراد منه لازمه، نحو: فعليه أن يأتي بلوازمه ويكون مشتغلا بخويصة عمله، أو قلة ثوابه. قوله: (إذا استأذن لم يؤذن له)، إشارة إلى عدم التفاته إلى الدنيا وأربابها بحيث يفنى بكليته في نفسه لا يبتغي مالا ولا جاها عند الناس، بل يكون عند الله وجيها، ولم يقبل الناس شفاعته، وعند الله يكون شفيعا مشفعا. قوله: (يشفع)، بفتح الفاء المشددة، أي: لم تقبل شفاعته.
قال أبو عبد الله لم يرفعه إسرائيل ومحمد بن جحادة عن أبي حصين أبو عبد الله هو البخاري نفسه، أي: لم يرفع الحديث المذكور إسرائيل بن يونس ومحمد بن جحادة عن أبي حصين عثمان بن عاصم بل، وقفاه عليه، وقد ذكرناه.
وقال تعسا كأنه يقول فأتعسهم الله هكذا وقع في رواية المستملي، وجرت عادة البخاري في شرح اللفظ التي توافق ما في القرآن بتفسيرها، وهكذا فسر أهل التفسير قوله تعالى: * (فتعسا لهم) * (محمد: 8). كأنه يقول: فأتعسهم الله، وقد مر الكلام فيه مستوفى.
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»