عمدة القاري - العيني - ج ١٤ - الصفحة ١٦٧
وهو مشكل، لأن تنقزان لازم ووجهه أن يكون النصب بنزع الخافض، أي: تنقزان بالقرب، وأما على رواية: تزفران وتنقلان، فلا إشكال على ما لا يخفى. قيل: كان بعض الشيوخ يرفع القرب على الابتداء، والخبر محذوف، والتقدير: القرب على متونها، فتكون الجملة الإسمية في موضع الحال بلا واو، وقيل: وجد في بعض الأصول: تنقزان، بضم التاء، فعلى هذا يستقيم نصب القرب، أي: تحركان القرب بشدة عدوهما، فكانت القرب ترتفع وتنخفض مثل الوثب على ظهورهما. قوله: (وقال غيره)، أي: قال البخاري: قال غير أبي معمر عن عبد الوارث: تنقلان القرب من النقل، باللام دون الزاي، وهي رواية جعفر بن مهران عن عبد الوارث أخرجها الإسماعيلي. قوله: (ثم تفرغانه)، من الإفراغ، بالغين المعجمة، يقال: فرغ الماء بالكسر يفرغ فراغا مثل سمع سماعا، أي: صب، وأفرغته أنا أي: صببته. فإن قلت: ما وجه قوله: أرى خدم سوقهما. قلت: قال النووي: الرؤية للخدم لم يكن فيها نهي، لأن يوم أحد كان قبل أمر النساء بالحجاب، أو لأنه لم يقصد النظر إلى بعض الساق، فهو محمول على أن تلك النظرة وقعت فجأة بغير قصد إليها، قيل: قد تمسك بظاهره من يرى أن تلك المواضع ليست بعورة من المرأة وليس بصحيح.
وفوائد: اختلف في المرأة: هل يسهم لها؟ قال الأوزاعي: يسهم للنساء، لأنه صلى الله عليه وسلم أسهم لهن بخيبر، وأخذ المسلمون بذلك وبه، قال ابن حبيب، وقال الثوري والكوفيون والليث والشافعي: لا يسهم لهن ولكن يرضخ لهن محتجين بقول ابن عباس في (صحيح مسلم) لنجدة: كن النساء يجدين من الغنيمة ولم يضرب لهم بسهم. وذكر الترمذي: أن بعض أهل العلم، قال: يسهم للذمي، إذا شهد القتال مع المسلمين، وروى عن الزهري أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم أسهم لقوم من اليهود قاتلوا معه، قال ابن المنذر: وهو قول الزهري والأوزاعي وإسحاق. والمجنون المطبق لا يسهم له كالصبي، وقيل: يسهم له، والظاهر أنه لا يسهم له كالمفلوج اليابس.
واختلفوا في الأعمى والمقعد، وأقطع اليدين لاختلافهم، هل يتمكن لهم نوع من أنواع القتال كإدارة الرأي إن كانوا من أهله، وكقتال المقعد راكبا، والأعمى يناول النبل، ونحو ذلك، ويكثرون السواد فمن رأى لمثل ذلك أثرا في استحقاق الغنيمة أسهم لهم. وأما الذي يخرج وبه مرض فعند المالكية فيه خلاف: هل يسهم له أم لا؟ فإن مرض بعد الإدراب ففيه خلاف، الأكثرون يسهمون له، ولم يختلفوا أن من مرض بعد القتال يسهم له، وإن كان مرضه بعد حوز الغنيمة.
واختلف في التاجر والأجير على ثلاثة أقوال، قيل: يسهم لهما إذا شهدا القتال مع الناس، قاتلا أو لم يقاتلا، وقيل: لا يسهم لهما مطلقا، وقيل: إن قاتلا يسهم لهما وإلا فلا، وعن مالك: لا يسهم للأجير والتاجر إلا أن يقاتلا، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وعن مالك: يسهم لكل حر قاتل، وهو قول أحمد، وقال الحسن بن حي: يسهم للأجير، وروي مثل ذلك عن ابن سيرين والحسن في التاجر والأجير: يسهم لهما إذا حضرا القتال قاتلا أولا، وقال الأوزاعي وإسحاق: لا يسهم للعبد ولا للأجير المستأجر على خدمة القوم.
66 ((باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو)) أي: هذا باب في بيان مشروعية حمل النساء... إلى آخره.
1882 حدثنا عبدان قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا يونس عن ابن شهاب قال ثعلبة بن أبي مالك إن عمر بن الخطب رضي الله تعالى عنه قسم مروطا بين نساء من نساء المدينة فبقي مرط جيد فقال له بعض من عنده يا أمير المؤمنين أعط هذا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك يريدون أم كلثوم بنت علي فقال عمر أم سليط نساء الأنصار ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر فإنها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد.
(الحديث 1882 طرفه في: 1704).
مطابقته للترجمة في قوله: (فإنها كانت تزفر لنا القرب) أي: تحمل إليهم يوم أحد، وعبدان لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك، ويونس هو ابن يزيد الأيلي، وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري، وثعلبة بن أبي مالك قال الذهبي: ثعلبة بن أبي مالك أبو يحيى القرظي إمام بني قريظة، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وله رؤية، وطال عمره، روى عنه
(١٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»