الفاعلون، ويكون في الكلام حذف وتقديره: تدلى علينا من ذوي قدوم، فحذف الموصوف وأقام المصدر مقامه، كما لو قالوا: رجل صوم، أي: ذو صوم، و: من، على هذا التقدير أيضا تبيين للجنس، كما كانت في الوجه الأول. قال: ويحتمل أن يكون معناه: تدلى علينا من مكان قدوم ضأن، ثم حذف المكان وأقام القدوم مكانه، كما قالت العرب: ذهب به مذهب، وسلك به مسلك، يريد المكان الذي يسلك فيه ويذهب، ويشهد لهذا رواية: (من رأس ضان)، ويحتمل أن يكون إسما لمكان قدوم بفتح القاف دون الضم لقلة الضم في هذا البناء في الأسماء وكثرة الفتح، ويحتمل أن يكون قدوم ضأن بتشديد الدال وفتح القاف: لو ساعدته رواية، لأنه من بناء أسماء المواضع، وطرف القدوم موضع بالشام، وعن ابن دريد: قدوم ثنية بسراة أرض دوس، وقال أبو عبيد: رواه الناس عن البخاري، ضأن، بالنون إلا الهمداني فإنه رواه: (من قدوم ضال)، باللام وهو الصواب، إن شاء الله تعالى. والضال السدر البري، وأما إضافة هذه الثنية إلى الضأن فلا أعلم لها معنى. وقد مر عن أبي داود أنه باللام، وقال ابن الجوزي: كذا هو في أكثر الروايات، وزعم أبو ذر الهروي أن: ضان، بالنون جبل بأرض دوس بلد أبي هريرة، وقيل: ثنية. قوله: (ينعي علي) من نعيت على الرجل فعله إذا عبته عليه. قوله: (قتل رجل)، بالنصب مفعول، ينعى: أي ينعي علي بأني قتلت رجلا أكرمه الله على يدي، حيث صار شهيدا بواسطتي، ولم يكن بالعكس، إذ لو صرت مقتولا بيده لصرت مهانا من أهل النار، إذا لم أكن حينئذ مسلما. قوله: (قال: فلا أدري أسهم له)، وهو من قول ابن عيينة أو من دونه، إلى شيخ البخاري، قاله ابن التين. قوله: (قال سفيان)، أي: سفيان بن عيينة، ووقع في رواية الحميدي في (مسنده): عن سفيان: وحدثنيه السعيدي أيضا، وفي رواية ابن أبي عمر: عن سفيان سمعت السعيدي. قوله: (وحدثنيه السعيدي)، معطوف على قوله: حدثنا الزهري، وهو موصول بالإسناد الأول. قوله: (قال أبو عبد الله)، هو البخاري نفسه، هذا وقع هكذا ولغير أبي ذر.
ذكر ما يستفاد منه: فيه: أن الرجل قد يوبخ بما قد سلف إلا أن يتوب فلا توبيخ عليه، ولا تثريب ألا يرى أن أبا هريرة لم يوبخ ابن سعيد بن العاص على قتل ابن قوقل، كيف رد عليه أقبح الرد، وصارت له عليه الحجة، كما صارت لآدم على موسى، عليهما السلام، من أجل أنه وبخه بعد التوبة من الذنب. وفيه: أن التوبة تمحو ما سلف قبلها من الذنوب: القتل وغيره، لقوله: أكرمه الله على يدي ولم يهنيء على يديه، لأن ابن قوقل وجبت له الجنة بقتل ابن سعيد له، ولم يجب لابن سعيد النار لأنه أسلم ومات. ويصحح، هذا سكوته صلى الله عليه وسلم على قوله: ولو كان غير صحيح لما لزمه السكوت، لأنه بعث للبيان. وفيه: قيل: حجة على الكوفيين في قولهم في المدد: يلحق بالجيش في أرض الحرب بعد الغنيمة أنهم شركاؤهم في الغنيمة وسائر العلماء إنما تجب الغنيمة عندهم لمن شهد الوقعة، واحتجوا بحديث أبي هريرة، وأن سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم لم يسهم لهم، وأبو حنيفة إنما يسهم لمن غاب عن الوقعة لشغل شغله به الإمام من أمور المسلمين، كما فعل بعثمان، رضي الله تعالى عنه، حين قسم له من غنائم بدر بسهم ولم يحضرها، لأنه كان غائبا في حاجة الله ورسوله، فكان كمن حضرها أو مثل أن يبعثه الإمام لقتال قوم آخرين فيصيب الإمام غنيمة بعد مفارقة الرجل إياه، أو يبعث رجلا، ممن معه في دار الحرب إلى دار الإسلام ليمده بسلاح ورجال فلا يعود ذلك الرجل إلى الإمام حتى يقسم غنيمه، فهو شريك فيها وهو كمن حضرها، وكذلك كل من أراد الغزو فرده الإمام وشغله بشيء من أمور المسلمين فهو كمن حضرها. وقال الطحاوي، رحمه الله: وأما حديث أبي هريرة فإنما ذلك والله أعلم لأنه وجه أبان لنجد قبل أن يتهيأ خروجه إلى خيبر، فتوجه أبان ثم حدث خروجه، صلى الله عليه وسلم، إلى خيبر فكان ما غاب فيه أبان ليس هو شغل شغل به عن حضورها بعد إرادته إياها، فيكون كمن حضرها.
92 ((باب من اختار الغزو على الصوم)) أي: هذا باب من اختار الغزو على الصوم لئلا يضعف بدنه بالصوم عن القيام بأمور الغزو، وأيضا فالمجاهد يكتب له أجر الصائم القائم، وقد مثله صلى الله عليه وسلم بالصائم لا يفطر والقائم لا يفتر.
8282 حدثنا آدم قال حدثنا شعبة قال حدثنا ثابت البناني قال سمعت أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال كان أبو طلحة لا يصوم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من أجل الغزو فلما قبض