إلا إذا وقع في الظاهر فيؤول، وقد ذكرنا أن المراد بالدر: الدارة، فلا يكون إضافة الشيء إلى نفسه، لأن اللبن غير الدارة، وكذلك يؤول في * (حب الحصيد) * (ق: 9) [/ ح.
ذكر ما يستفاد منه: احتج بهذا الحديث إبراهيم النخعي والشافعي وجماعة الظاهرية على: أن الراهن يركب المرهون بحق نفقته عليه. ويشرب لبنه، كذلك، وروي ذلك أيضا عن أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه، وقال ابن حزم في (المحلى): ومنافع الرهن كلها لا تحاشى منها شيئا لصاحب الرهن له كما كانت قبل الرهن، ولا فرق حاشى ركوب الدابة المرهونة وحاشى لبن الحيوان المرهون. فإنه لصاحب الرهن إلا أن يضيعهما فلا ينفق عليهما وينفق على كل ذلك المرتهن، فيكون له حينئذ الركوب واللبن بما أنفق لا يحاسب به من دينه، كثر ذلك أو قل، وذلك لأن ملك الراهن باق في الرهن لم يخرج عن ملكه، لكن الركوب والاحتلاب خاصة لمن أنفق على المركوب والمحلوب، لحديث أبي هريرة انتهى. وقال الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ومالك وأحمد في رواية: ليس للراهن ذلك لأنه ينافي حكم الرهن، وهو الحبس الدائم، فلا يملكه، فإذا كان كذلك فليس له أن ينتفع بالمرهون استخداما وركوبا ولبنا وسكنى وغير ذلك، وليس له أن يبيعه من غير المرتهن بغير إذنه، ولو باعه توقف على إجازته، فإن أجازه ويكون الثمن رهنا، سواء شرط المرتهن عند الإجازة أن يكون مرهونا عنده أو لا. وعن أبي يوسف: لا يكون رهنا إلا بشرط، وكذا: ليس للمرتهن أن ينتفع بالمرهون حتى لو كان عبدا لا يستخدمه أو دابة لا يركبها أو ثوبا لا يلبسه أو دارا لا يسكنها أو مصحفا ليس له أن يقرأ فيه وليس له أن يبيعه إلا بإذن الراهن. وقال الطحاوي في الاحتجاج لأصحابنا: أجمع العلماء على أن نفقة الرهن على الراهن لا على المرتهن، وأنه ليس على المرتهن استعمال الرهن. قال: والحديث يعني: الحديث الذي احتج به الشافعي ومن معه مجمل فيه لم يبين فيه الذي يركب ويشرب، فمن أين جاز للمخالف أن يجعله للراهن دون المرتهن؟ ولا يجوز حمله على أحدهما إلا بدليل، قال: وقد روى هشيم عن زكرياء عن الشعبي عن أبي هريرة، ذكر أن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب نفقتها ويركب، فدل هذا الحديث أن المعنى بالركوب وشرب اللبن في الحديث الأول هو المرتهن لا الراهن، فجعل ذلك له وجعلت النفقة عليه بدلا مما يتعوض منه، وكان هذا عندنا والله أعلم في وقت ما كان الربا مباحا، ولم ينه حينئذ عن القرض الذي يجر منفعة، ولا عن أخذ الشيء لشيء وإن كانا غير متساويين، ثم حرم الربا بعد ذلك وحرم كل قرض جر منفعة.
وأجمع أهل العلم أن نفقة الرهن على الراهن لا على المرتهن، وأنه ليس للمرتهن استعمال الرهن، قال: ويقال لمن صرف ذلك إلى الراهن فجعل له استعمال الرهن: أيجوز للراهن أن يرهن رجلا دابة هو راكبها؟ فلا يجد بدا من أن يقول: لا، فيقال له: فإذا كان الرهن لا يجوز إلا أن يكون مخلى بينه وبين المرتهن فيقبضه ويصير في يده دون يد الراهن، كما وصف الله تعالى بقوله: * (فرهان مقبوضة) * (البقرة: 382). فيقول: نعم، فيقال له: فلما لم يجز أن يستقبل الرهن على ما الراهن راكبه لم يجز ثبوته في يده بعد ذلك رهنا بحقه إلا كذلك أيضا، لأن دوام القبض لا بد منه في الرهن إذا كان الرهن إنما هو إحباس المرتهن للشيء المرهون بالدين، وفي ذلك أيضا ما يمنع استخدام الأمة الرهن لأنها ترجع بذلك إلى حال لا يجوز عليها استقبال الرهن.
وحجة أخرى: أنهم قد أجمعوا أن الأمة الرهن ليس للراهن أن يطأها، وللمرتهن منعه من ذلك، فلما كان المرتهن يمنع الراهن من وطئها، كان له أيضا أن يمنعه بحق الرهن من استخدامها. انتهى. قلت: الطحاوي أطلق قوله: قد أجمعوا... إلى آخره، وقد قال بعض أصحاب الشافعي: للراهن أن يطأ الآيسة والصغيرة، لأنه لا ضرر فيه، فإن علة المنع الخوف من أن تلد منه، فتخرج بذلك من الرهن، وهذا معدوم في حقهما، والجمهور على خلاف ذلك، ثم إن خالف فوطىء فلا حد عليه لأنها ملكه، ولا مهر عليه، فإذا ولدت صارت أم ولد له وخرجت من الرهن وعليه قيمتها حين أحبلها، ولا فرق بين الموسر والمعسر، إلا أن الموسر تؤخذ قيمتها منه، والمعسر يكون في ذمته قيمتها، وهذا قول أصحابنا والشافعي أيضا. وقال ابن حزم: قال الشافعي: إن رهن أمة فوطئها فحملت، فإن كان موسرا خرجت من الرهن ويكلف رهنا آخر مكانها، وإن كان معسرا، فمرة قال: يخرج من الرهن ولا يكلف رهنا مكانها ولا تكلف هي شيئا، ومرة