عمدة القاري - العيني - ج ١٣ - الصفحة ٤٧
أي: يخافه. وقوله: (جدي) هو جد عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج، وعباية الذي هو أحد الرواة يحكي عن جده رافع بن خديج أنه قال: نرجو، أو قال: إنا نخاف، والرجاء هنا بمعنى الخوف. قوله: (مدي)، بضم الميم، جمع مدية وهي السكين. قوله: (أفنذبح بالقصب؟) وفي رواية لمسلم: فنذكي بالليط، بكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف وبالطاء المهملة: هي قطع القصب، قاله القرطبي. وقال النووي: قشوره، الواحد ليطة. وفي (سنن أبي داود): أنذكي بالمروة. فإن قلت: ما معنى هذا السؤال عند لقاء العدو؟ قلت: لأنهم كانوا عازمين على قتال العدو وصانوا سيوفهم وأسنتهم وغيرها عن استعمالها، لأن ذلك يفسد الآلة، ولم يكن لهم سكاكين صغار معدة للذبح. قوله: (ما أنهر الدم)، أي: ما أسال وأجرى الدم، وكلمة: ما، شرطية وموصولة، والحكمة في اشتراط الإنهار التنبيه على أن تحريم الميتة لبقاء دمها، ويقال: معنى أنهر الدم أساله وصبه بكثرة، وهو مشبه بجري الماء في النهر، وعند الخشني: ما انهز، بالزاي، من النهز، وهو الدفع وهو غريب. قوله: (فكلوه) الفاء جواب الشرط أو لتضمنه معناه. قوله: (ليس السن والظفر)، كلمة: ليس، بمعنى إلا، وإعراب ما بعده النصب. وقال صاحب (التلويح): هما منصوبان على الاستثناء: بليس، وفيه ما فيه. قوله: (فسأحدثكم)، أي: سأبين لكم العلة في ذلك، وليست السين هنا للاستقبال بل للاستمرار، كما في قوله تعالى: * (ستجدون آخرين) * (النساء: 19). وزعم الزمخشري أن السين إذا دخلت على فعل محبوب أو مكروه أفادت أنه واقع لا محالة. قوله: (أما السن فعظم)، قال التيمي: العظم غالبا لا يقطع إنما يجرح ويدمي فتزهق النفس من غير أن يتيقن وقوع الذكاة، فلهذا نهى عنه، وقال النووي: لا يجوز بالعظم لأنه يتنجس بالدم، وهو زاد إخواننا من الجن، ولهذا نهى عن الاستنجاء به. وقال البيضاوي: هو قياس حذف عنه فقدمه الثانية لظهورها عندهم وهي أن كل عظم لا يحل الذبح به قوله (وأما الظفر فمدى الحبشة) المعنى فيه أن لا يتشبه بهم لأنهم كفار، وهو شعار لهم. وفي الحديث: من تشبه بقوم فهو منهم، رواه أبو داود. وقال الخطابي: ظاهره يوهم أن مدى الحبشة لا تقع بها الذكاة، ولا خلاف أن مسلما لو ذكى بمدية حبشي كافر جاز، فمعنى الكلام: أن أهل الحبشة يدمون مذابح الشاة بأظفارهم حتى تزهق النفس خنقا وتعذيبا ويحلونها محل الذكاة، فلذلك ضرب المثل به.
ذكر ما يستفاد منه: وهو على أنواع:
الأول: عدم جواز الأكل من الغنيمة قبل القسمة عند الانتهاء إلى دار الإسلام.
الثاني: فيه جواز قسم الغنم والبقر والإبل بغير تقويم، وبه قال مالك والكوفيون، وأبو ثور إذا كان ذلك على التراضي. وقال الشافعي: لا يجوز قسم شيء من الحيوان بغير تقويم، قال: إنما كان ذلك على طريق القيمة، ألا ترى أنه عدل عشرة من الغنم ببعير، وهذا معنى التقويم. وقال القرطبي: وهذه الغنيمة لم يكن فيها غير الإبل والغنم، ولو كان فيها غير ذلك لقوم جميعا وقسمه على القيمة.
الثالث: فيه أن ما ند من الحيوان الإنسي لم يقدر عليه جاز أن يذكي بما يذكى به الصيد، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وهو قول علي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وطاووس وعطاء والشعبي والأسود بن يزيد والنخعي والحكم وحماد والثوري وأحمد والمزني وداود، وقال النووي: والجمهور ذهبوا إلى حديث أبي العشراء عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله! أما تكون الذكاة إلا في اللبة والحلق؟ قال: لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك. قلت: حديث أبي العشراء رواه الأربعة، فأبو داود عن أحمد بن يونس عن حماد بن سلمة عن أبي العشراء، والترمذي عن أحمد بن منيع عن يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة، والنسائي عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي عن عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن سلمة وابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن حماد بن سلمة. وقال الترمذي بعد أن رواه: قال أحمد بن منيع: قال يزيد هذا في الضرورة، وقال أيضا: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة، ولا نعرف لأبي العشراء عن أبيه غير هذا الحديث، واختلفوا في اسم أبي العشراء، فقال بعضهم: اسمه أسامة بن قهطم، ويقال: يسار بن برز، ويقال: ابن بلز، ويقال: اسمه عطارد، وقال أبو علي المديني: المشهور أن اسمه أسامة بن مالك بن قطهم، فنسب إلى جده، وقهطم بكسر القاف وسكون الهاء والطاء المهملة، وقال ابن الصلاح فيما نقله من خط البيهقي وغيره بكسر القاف، وقيل: قحطم بالحاء المهملة، وقال مالك وربيعة والليث: لا يؤكل إلا بذكاة الإنسي بالنحر أو الذبح، استصحابا لمشروعية أصل ذكاته، لأنه، وإن كان قد لحق بالوحش في الامتناع
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»