الأصح، والدليل عليه ما رواه ابن سعد وأبو داود الطيالسي والحاكم من حديث عبد الله بن الزبير، قال: قدمت قتيلة على ابنتها أسماء بنت أبي بكر في المدينة وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية بهدايا زبيب وسمن وقرظ، فأبت أسماء أن تقبل هديتها أو تدخلها بيتها، فأرسلت إلى عائشة: سلي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: لتدخلها... الحديث، وقد ذكرناه في: باب قبول الهدية من المشركين، واختلفوا في اسمها، فقال الأكثرون: إنها قتيلة، بضم القاف وفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف: وقال الزبير بن بكار اسمها قتلة، بفتح القاف وسكون التاء المثناة من فوق، وقال الداودي: اسمها أم بكر، وقال ابن التين: لعله كنيتها، والصحيح: قتيلة، بضم القاف على صيغة التصغير، بنت عبد العزى بن أسعد بن جابر بن نصر بن مالك بن حسل، بكسر الحاء وسكون السين المهملتين: ابن عامر بن لؤي، وذكرها المستغفري في جملة الصحابة. وقال تأخر إسلامها،. وقال أبو موسى المديني: ليس في شيء من الحديث ذكر إسلامها. قوله: (وهي مشركة) جملة حالية. قوله: (في عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم)، أي: في زمنه وأيامه، وفي رواية حاتم: في عهد قريش، إذ عاقدوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأراد بذلك ما بين الحديبية والفتح. قوله: (وهي راغبة)، قال بعضهم: أي: في الإسلام، وقال بعضهم: أي: في الصلة. وفيه نظر لأنها جاءت أسماء ومعها هدايا من زبيب وسمن وغير ذلك. قلت: وفي النظر نظر لأنها ربما كانت تأمل أن تأخذ أكثر مما أهدت. وقال بعضهم: راغبة، أي: عن ديني، أي كارهة له، وعند أبي داود راغمة، بالميم أي كارهة للإسلام وساخطة علي، وقال بعضهم: هاربة من الإسلام، وعند مسلم أو راهبة، وكان أبو عمرو بن العلاء يفسر قوله: مراغما بالخروج عن العدو على رغم أنفه، وقال ابن قرقول: راغبة، رويناه نصبا على الحال، ويجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ. وقال ابن بطال: لو أرادت به المضي لقالت مراغمة، وهو بالباء أظهر ووقع في كتاب ابن التين: داعية، ثم فسرها بقوله: طالبة، ويروي معترضة له.
ومما يستفاد منه: جواز صلة الرحم الكافرة كالرحم المسلمة. وفيه: مستدل لمن رأى وجوب، النفقة للأب الكافر، والأم الكافرة على الولد المسلم. وفيه: موادعة أهل الحرب ومعاملتهم في زمن الهدنة. وفيه: السفر في زيارة القريب. وفيه: فضيلة أسماء حيث تحرت في أمر دينها، وكيف لا وهي بنت الصديق وزوج الزبير بن العوام، رضي الله تعالى عنهم.
03 ((باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته)) أي: هذا باب يذكر فيه: لا يحل إلى آخره، فإن قلت: ليس لفظ: لا يحل، ولا لفظ يدل عليه في أحاديث الباب، وكيف يترجم بهذه الترجمة؟ قلت: قيل: إنه ترجم بهذه الترجمة لقوة الدليل عنده فيها، ولكن يعكر عليه بشيئين. الأول: أنه يرى للوالد الرجوع فيما وهبه لولده، فكيف يقول هنا: لا يحل لأحد أن يرجع في هبته، والكرة في سياق النفي تقتضي العموم، وانتهض بعضهم مساعدة له، فقال: يمكن أن يرى صحة الرجوع له، وإن كان حراما بغير عذر. قلت: سبحان الله ما أبعد هذا عن منهج الصواب، لأنه: كيف يرى صحة شيى مع كونه في نفس الأمر حراما؟ وبين كون الشيء صحيحا، وبين كونه حراما، منافاة؟ فالصحيح لا يقال له حرام، ولا الحرام يقال له صحيح. والثاني: أنه قيل في ترجمته بهذه الترجمة لقوة الدليل عنده، فإن كانت هذه القوة لدليله بحديث ابن عباس، فذا لا يدل على عدم الحل لأنا قد ذكرنا في أوائل: باب هبة الرجل لامرأته أن جعله صلى الله عليه وسلم العائد في هبته كالعائد في قيئه، من باب التشبيه من حيث إنه ظاهر القبح مروءة لا شرعا، فلا يثبت بذلك عدم الحل في الرجوع حتى يقال: لا يحل لأحد أن يرجع في هبته، وأيضا كيف تثبت القوة لدليله مع ورود قوله صلى الله عليه وسلم: الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها، رواه ابن ماجة من حديث أبي هريرة، وأخرجه الدارقطني في (سننه) وابن أبي شيبة في مصنفه، وروى (عن ابن عباس أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من وهب هبة فهو أحق بهبته، ما لم يثب منها). رواه الطبراني، فإن قال المساعد له: هذان الحديثان لا يقاومان حديثه الذي رواه في هذا الباب. قلت: ولئن سلمنا ذلك، فما يقول في حديث ابن عمر، أخرجه الحاكم في (المستدرك) عنه أن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يثب منها، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ورواه الدارقطني أيضا في سننه، فإن قال: مساهلة الحاكم في التصحيح مشهورة، يقال: له حديث ابن عمر صحيح مرفوعا، ورواته ثقات، كذا قال عبد الحق في الأحكام، وصححه ابن حزم أيضا، ففيه الكفاية لمن يهتدي إلى مدارك الأشياء ومسالك الدلائل.