فيه هناك مشروحا. ووجه إيراده هنا لبيان كيفية قبض الموهوب، والموهوب هنا متاع، فاكتفى فيه بكونه في يد البائع، ولم يحتج إلى قبض آخر. وقال ابن بطال: كيفية القبض عند العلماء بإسلام الواهب لها إلى الموهوب له، وحيازة الموهوب لذلك: كركوب ابن عمر الجمل.
واختلفوا في الحيازة: هل هي شرط لصحة الهبة أم لا؟ فقال بعضهم: شرط، وهو قول أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان وابن عباس ومعاذ وشريح ومسروق والشعبي والثوري والشافعي والكوفيين، وقالوا: ليس للموهوب له مطالبة الواهب بالتسليم إليه، لأنها ما لم يقبض عدة فيحسن الوفاء، ولا يقضى عليه. وقال آخرون: تصح بالكلام دون القبض، كالبيع، روى عن علي وابن مسعود والحسن البصري والنخعي كذلك، وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور، إلا أن أحمد وأبا ثور قالا: للموهوب له المطالبة بها في حياة الواهب، وإن مات بطلت الهبة. فإن قلت: إذا تعين في الهبة حق الموهوب له، وجب له مطالبة الواهب في حياته، فكذلك بعد مماته كسائر الحقوق. قلت: هذا هو القياس، لولا حكم الصديق بين ظهراني الصحابة وهم متوافرون فيما وهبه لابنته جداد عشرين وسقا من ماله بالغابة، ولم تكن قبضتها، وقال لها: لو كنت خزنته كان ذلك، وإنما هو اليوم مال وإرث، ولم يرو عن أحد من الصحابة أنه أنكر قوله ذلك، ولا رد عليه.
9952 حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا الليث عن ابن مليكة عن المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنهما أنه قال قسم رسول الله، صلى الله عليه وسلم أقبية ولم يعط مخرمة منها شيئا فقال مخرمة يا بني انطلق بنا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم فانطلقت معه فقال ادخل فادعه لي قال فدعوته له فخرج إليه وعليه قباء منها فقال خبأنا هاذا لك قال فنظر إليه فقال رضي مخرمة.
.
مطابقته للترجمة من حيث إن نقل المتاع إلى الموهوب له قبض، وبهذا يجاب عن قول من قال: كيف يدل الحديث على الترجمة التي هي قبض العبد؟ لأنه لما علم أن قبض المتاع بالنقل إليه علم منه حكم العبد وغيره من سائر المنقولات.
ذكر رجاله وهم خمسة: قتيبة بن سعيد، والليث بن سعد، وعبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، والمسور، بكسر الميم وسكون السين المهملة، وأبوه مخرمة، بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة: ابن نوفل الزهري، أسلم يوم الفتح، بلغ مائة وخمس عشرة سنة، ومات سنة أربع وخمسين.
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: العنعنة في موضعين. وفيه: القول في موضعين. وفيه: أن شيخه بغلاني، وبغلان من بلخ، وأن الليث مصري وابن أبي مليكة مكي. وفيه: رد على من يقول: إن المسور لم ير رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولم يسمع منه.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في اللباس عن قتيبة أيضا، وفي الشهادات عن زياد بن يحيى، وفي الخمس عن عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي، وفي الأدب عن الحجبي أيضا... وأخرجه مسلم في الزكاة عن قتيبة به، وعن زياد بن يحيى، وأخرجه أبو داود في اللباس عن قتيبة ويزيد بن خالد، كلاهما عن الليث به وأخرجه الترمذي في الاستئذان عن قتيبة، وأخرجه النسائي في الزينة عن قتيبة.
ذكر معناه: قوله: (أقبية)، جمع: قباء، ممدودا. وقال الجوهري: القباء الذي يلبس، وفي (المغرب) ما يدل على أنه عربي، والدليل عليه ما قاله ابن دريد، وهو: من قبوت الشيء إذا جمعته. قوله: (فادعه لي) أي: فادع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لأجلي. وفي رواية تأتي: قال المسور فأعظمت ذلك، فقال: يا بني إنه ليس بجبار فدعوته فخرج. قوله: (فخرج إليه)، أي: فخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى مخرمة. قوله: (وعليه قباء)، جملة حالية. قوله: (منها)، أي: من الأقببة، وظاهر هذا استعمال الحرير، ولكن قالوا: يجوز أن يكون قبل النهي، وقيل: معناه، وأنهه نشره على أكتافه ليراه مخرمة كله، وهذا ليس بلبس، ولو كان بعد التحريم. قوله: (فقال خبأنا هذا لك). إنما قال هذا للملاطفة، لأنه كان في خلقه شيء وذكره في الجهاد، ولفظه: (وكان في خلقه شدة). قوله: (فنظر إليه) أي: قال المسور: فنظر مخرمة إلى القباء. قوله: (فقال: رضي مخرمة؟)، قال الداودي هو من قوله، صلى الله عليه وسلم، معناه: هل رضيت على وجه الاستفهام؟ وقال ابن التين: