ثم الكلام في تفسير الآيات الكريمة. قوله: * (إني أريد أن أنكحك) * (القصص: 72). أي: أريد أن أزوجك * (إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني) * (القصص: 82). نفسك مدة ثماني حجج أي: على أن تكون أجيرا لي ثماني سنين من أجرته إذا كنت له أجيرا، كقولك: أبوته إذا كنت له أبا، وثماني حجج ظرفه، ويجوز أن يكون من آجرته كذا إذا أثبته إياه، ومنه تعزية رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آجركم الله ورحمكم الله)، وثماني حجج مفعول به، أي: رعية ثماني حجج، وقال الزمخشري فإن قلت: كيف جاز أن يمهرها إجارة نفسه في رعية الغنم، ولا بد من تسليم ما هو مال؟ ألا ترى إلى أبي حنيفة كيف منع أن يتزوج امرأة بأن يخدمها سنة؟ وجوز أن يتزوجها بأن يخدمها عبده سنة أو يسكنها داره سنة، لأنه في الأول سلم نفسه، وليس بمال وفي الثاني هو مسلم مالا، وهو العبد أو الدار. قلت: الأمر على مذهب أبي حنيفة كما ذكرت، وأما الشافعي فقد جوز التزويج على الإجازة ببعض الأعمال والخدمة إذا كان المستأجر له أو المخدوم فيه أمرا معلوما، ولعل ذلك كان جائزا في تلك الشريعة، ويجوز أن يكون المهر شيئا آخر، وإنما أراد أن يكون رعي غنمه هذه المدة، وأراد أن ينكحه ابنته، فذكر له المرادين، وعلق الإنكاح بالرعية على معنى: أني أفعل هذا إذا فعلت ذلك، على وجه المفاهدة لا على وجه المعاقدة، ويجوز أن يستأجره لرعي غنمه ثماني سنين بمبلغ معلوم ويوفيه إياه ثم ينكحه ابنته به، ويجعل قوله: على أن تأجرني ثماني حجج، عبارة عما جرى بينهما * (فإن أتممت العمل عشرا فمن عندك) * (القصص: 72). فإتمامه من عندك، والمعنى: فهو من عندك لا من عندي، يعني: لا ألزمك ولا أحتمه عليك، ولكن إن فعلته فهو منك تفضيل وتبرع، وإلا فلا عليك * (وما أريد أن أشق عليك) * (القصص: 72). في هذه المدة فأكلفك ما يصعب عليك: * (ستجدني إن شاء الله من الصالحين) * (القصص: 72). في حسن العشرة والوفاء بالعهد، وهذا شرط للأب وليس بصداق، وقيل: صداق، والأول أظهر لقوله: * (تأجرني) * (القصص: 72). ولم يقل: تأجرها، وإنما قال: إن شاء الله، للاتكال على توفيقه ومعونته. قوله: * (قال ذلك) * (القصص: 82). أي: قال موسى لشعيب عليهما السلام، ذلك مبتدأ * (بيني وبينك) * (القصص: 82). خبره، وهو إشارة إلى ما عاهده عليه شعيب. ثم قال موسى، عليه الصلاة والسلام: * (أيما الأجلين) * (القصص: 82). أي: أجل من الأجلين أطولهما الذي هو العشر وأقصرهما الذي هو ثمان. * (قضيت) * أي: أوفيتك إياه وفرغت من العمل فيه * (فلا عدان علي) * أي: لا سبيل علي، والمعنى: لا تعتد علي بأن تلزمني أكثر منه. قوله: * (والله على ما نقول وكيل) * (القصص: 82). أي: على ما نقول من النكاح والأجر والإجارة وكيل، أي: حفيظ وشاهد، ولما استعمل وكيل في موضع الشاهد عدى بعلى، وروي عن ابن عباس مرفوعا: سأل جبريل، عليه الصلاة والسلام: (أي الأجل قضى موسى؟ فقال: أتمهما وأكملهما).
يأجر فلانا يعطيه أجرا ومنه في التعزية آجرك الله يأجر، بضم الجيم، والمقصود منه تفسير قوله تعالى: * (تأجرني ثماني حجج) * (القصص: 72). وبهذا فسر أبو عبيدة في (المجاز). قوله: (ومنه) أي: ومن هذاالمعنى قولهم في التعزية: آجرك الله أي: يعطيك أجره، وهكذا فسر أبو عبيدة أيضا، وزاد: يأجرك أي: يثيبك. وقيل: المعنى في قوله: على أن تأجرني أن تكون لي أجيرا، أو التقدير: على أن تأجرني نفسك، وقال الكرماني: في جواب من قال: ما الفائدة في عقد هذا الباب إذ لم يذكر فيه حديثا؟ بأن البخاري كثيرا ما يقصد بتراجم الأبواب بيان المسائل الفقهية، فأراد هنا بيان جواز مثل هذه الإجارة، واستدل عليه بالآية، ثم قال: قال المهلب: ليس كما ترجم، لأن العمل كان معلوما عندهم. انتهى. قلت: قد مر الكلام فيه عن قريب.
7 ((باب إذا استأجر أجيرا على أن يقيم حائطا يريد أن ينقض جاز)) أي: هذا باب يذكر فيه إذا استأجر أحد أجيرا لأجل إقامة حائط يريد أن ينقض، أي: بسقط، يقال: انقض الطائر سقط من الهواء بسرعة. قوله: (جاز)، جواب: إذا، وقال ابن التين: تبويب البخاري يدل على أن هذا جائز لجميع الناس، وإنما كان ذلك للخضر، عليه السلام، خاصة، ولعل البخاري أراد أن يبني له حائطا من الأصل، أو يصلح له حائطا. انتهى. قلت: ينبغي أن يكون هذا جائزا لجميع الناس، وتخصيصه بالخضر، عليه السلام، لا دليل عليه، وجه ذلك على العموم أن حائط رجل إذا أشرف على السقوط، فخيف من سقوطه، فاستأجر أحدا يعلقه حتى لا يسقط فإنه يجوز بلا خلاف، ثم بعد التعليق إما أن يرمه ويقطع عيبه، أو يهده ويبنيه جديدا. وقال المهلب: إنما جاز الاستئجار عليه لقول موسى، عليه الصلاة والسلام: * (لو