موضعين. وفيه: أن شيخه بصري وأنه من أفراده، وأن شعبة واسطي وعلي بن عبد الله مديني وشبابة مدائني، وأن أبا عمران بصري. وفيه: أنه ليس لطلحة بن عبد الله في البخاري سوى هذا الحديث.
وهذا الحديث من أفراده لم يخرجه مسلم، وأخرجه البخاري أيضا في الأدب عن حجاج، وفي الهبة عن ابن بشار. وأخرجه أبو داود في الأدب عن مسدد وسعيد بن منصور.
ذكر معناه: قوله: (أهدي)، بضم الهمزة من الإهداء، وقال المهلب: وإنما أمر بالهدية إلى من قرب بابه لأنه ينظر إلى ما يدخل دار جاره وما يخرج منها، فإذا رأى ذلك أحب أن يشارك فيه، وأنه أسرع إجابة لجاره عندما ينوبه من حاجة إليه في أوقات الغفلة والغرة، فلذلك بدأ به على من بعد باب داره وإن كانت داره أقرب، قال ابن المنذر: وهذا الحديث دال على أن اسم الجار يقع على غير الملاصق، لأنه قد يكون له جار ملاصق وبابه من سكة غير سكته، وله جار بينه وبين بابه قدر ذراعين وليس بملاصق، وهو أدناهما بابا. وقد خرج أبو حنيفة عن ظاهر الحديث، فقال: إن الجار الملاصق إذا ترك الشفعة وطلبها الذي يليه وليس له حد ولا طريق فلا شفعة له، وعوام العلماء يقولون: إذا أوصى رجل لجيرانه أعطى اللزيق وغيره إلا أبا حنيفة، فإنه قال: لا يعطى إلا اللزيق وحده. انتهى. قلت: الذي قال: خرج أبو حنيفة عن ظاهر الحديث، خرج عن ظاهر الأدب، ولا ينقل عن إمام مثل أبي حنيفة شيء مما قاله إلا بمراعاة الأدب، فإن الذي ينقل عنه شيئا من بعده لا يساوي مقداره ولا يدانيه لا في الدين ولا في العلم، وأبو حنيفة لا يذهب إلى شيء إلا بعد أن يحقق مدركه والسر فيه، والأصل في النصوص التعليل، ولا يدري هذا إلا من يقف على مداركها، والسر في وجوب الشفعة دفع الأذى من الخارج، ولهذا قدم الشريك في نفس المبيع، ثم من بعده الشريك في حق المبيع، ثم من بعدهما للجار، ولا يحصل الضرر في منع الشفعة إلا للجار الملاصق لاتصال الجدران، ووضع الأخشاب بينه وبين صاحب الملك، ولا مناسبة بين الجار الذي له الشفعة وبين الجار الذي أوصى إليه بشء، لأن أمر الشفعة مبني على القهر، بخلاف الوصية. وإنما قال في الوصية لجيرانه الملاصقين لأنهم الجيران تسمية وعرفا، وفي مذهب عوام العلماء عسر عظيم، بل لا يحصل فيه فائدة على قول من يقول: أهل المدينة كلهم جيران، وفي (مراسيل) أبي داود: عن ابن شهاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربعون دارا جار. قال يونس: قلت لابن شهاب: وكيف أربعون دارا؟ قال أربعون عن يمينه وعن يساره وخلفه وبين يديه. وعن الحسن أربعون من هنا وأربعون من جوانبها الأربع أربعون أربعون أربعون، ولو فرضنا أن شخصا من أهل مصر أوصى بثلث ماله لجيرانه، فخرج ثلث ماله عشرة دراهم مثلا، فعلى قول الحسن يعطى هذه العشرة لمائة وعشرين نفسا، فيحصل لكل واحد ما ليس فيه فائدة ولا ينتفع به الموصى إليه، وأما على قول: أهل المدينة كلهم جيران، فحكمه حكم العدم، فلا يحصل مقصود الموصي ولا مقصود الموصى لهم. فإذا قلنا: الجيران هم الملاصقون لا يفوت شيء من ذلك ويحصل مقصود الموصي من ذلك أيضا. وقال ابن بطال: لا حجة في هذا الحديث لمن أوجب الشفعة بالجوار، لأن عائشة إنما سألت عمن تبدأ به من جيرانها بالهدية، فأخبرها بأن من قرب أولى من غيره. انتهى. قلت: إنما كان مراد ابن بطال من هذا الكلام التسميع للحنفية فهم ما احتجوا به، ولئن سلمنا أنهم احتجوا به فلهم ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى أن الأقرب أولى، فالجار الملاصق أقرب من غيره فيكون أحق من غيره، ولا سيما بأنه باب الإكرام وباب الإهداء على التعهد والتفضل والإحسان. قوله: (قال إلى أقربهما منك بابا) أي: قال صلى الله عليه وسلم: إلى أقرب الجارين من حيث الباب، وهنا استعمل أفعل التفضيل بوجهين، مع أنه لا يستعمل إلا بأحد الوجوه الثلاثة، لأنه لم يستعمل إلا بالإضافة. وأما كلمة: من، فهي من صلة القرب، كما يقال: قرب من كذا.
وفيه: افتقاد الجيران بإرسال شيء إليهم، ولا سيما إذا كانوا فقراء وفيهم أغنياء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم ببيت شبعان وجاره طاو) وقد أوصى الله تعالى بالجار. فقال: * (والجار ذي القربى والجار الجنب) * (النساء: 63). وقال، صلى الله عليه وسلم: (ما زال جبريل، عليه الصلاة والسلام، يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه).