رواه الشافعي وغيره، ورواه أبو عاصم والماجشون عنه فوصله بذكر أبي هريرة. أخرجه البيهقي، ورواه ابن جريج عن الزهري كذلك لكن قال عنهما أو عن أحدهما أخرجه أبو داود، قلت: هذا مما يضعف حجة من احتج به في اختصاص ثبوت الشفعة للشريك دون الجار، وأيضا قال ابن أبي حاتم عن أبيه: إن قوله: فإذا وقعت الحدود... إلى آخره، مدرج من كلام جابر. قال بعضهم: فيه نظر، لأن الأصل كل ما ذكر في الحديث فهو منه حتى يثبت الإدراج بدليل. قلت: قوله: كل ما... إلى آخره، غير مسلم، لأن أشياء كثيرة تقع في الحديث وليست منه، وأبو حاتم إمام في هذا الفن، ولو لم يثبت عنده الإدراج فيه لما أقدم على الحكم به.
وقال الكرمانيي: قال التيمي: قال الشافعي: الشفعة إنما هي للشريك، وأبو حنيفة: للجار، وهذا الحديث حجة عليه. قلت: سبحان الله! هذا كلام عجيب، لأن أبا حنيفة لم يقل: الشفعة للجار على الخصوص، بل قال: الشفعة للشريك في نفس المبيع، ثم في حق المبيع ثم من بعدهما للجار، وكيف يقول: هو حجة عليه، وإنما يكون حجة عليه إذا ترك العمل به، وهو عمل به أولا ثم عمل بحديث الجار، ولم يهمل واحدا منهما، وهم عملوا بأحدهما وأهملوا الآخر بتأويلات بعيدة فاسدة، وهو قولهم: أما حديث: (الجار أحق بصقبه)، فلا دلالة فيه، إذ لم يقل: أحق بشفعته، بل قال: أحق بصقبه، لأنه يحتمل أن يراد منه بما يليه ويقرب منه، أي: أحق بأن يتعمد ويتصدق عليه، أو يراد بالجار الشريك. قلت: هذه مكابرة وعناد من أريحية التعصب، وكيف يقول: إذا لم يقل: أحق بشفعته؟ وقد وقع في بعض ألفاظ أحمد والطبراني وابن أبي شيبة: (جار الدار أحق بشفعة الدار). وكيف يقبل هذا التأويل الصارف عن المعنى الوارد في الشفعة، ويصرف إلى معنى لا يدل عليه اللفظ؟ ويرد هذا التأويل ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث الحسن عن سمرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (جار الدار أحق بالدار)، ذكره الترمذي في: باب ما جاء في الشفعة. وقال: حديث حسن. ثم قال: وروى عيسى بن يونس عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، وروى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والصحيح عند أهل العلم حديث الحسن عن سمرة، ولا يعرف حديث قتادة عن أنس إلا من حديث عيسى بن يونس، وحديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن الشريد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، هو حديث حسن، وروى إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع: سمعت محمدا يقول: كلا الحديثين عندي صحيح.
وقال الكرماني بعد أن قال: يراد بالجار الشريك يجب الحمل عليه جمعا بين مقتضى الحديثين. قلت: لم يكتف الكرماني بصرف معنى الجار عن معناه الأصلي إلى الشريك حتى يحكم بوجوب ذلك، وهذا يدل على أنه لم يطلع على ما ورد في هذا الباب من الأحاديث الدالة بثبوت الشفعة للجار بعد الشريك. فإن قلت: قال ابن حبان: الحديث ورد في الجار الذي يكون شريكا دون الجار الذي ليس بشريك، يدل عليه ما أخبرنا، وأسند عن عمرو بن الشريد، قال: كنت مع سعد بن أبي وقاص والمسور ابن مخرمة، فجاء أبو رافع، مولى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال لسعد بن مالك: إشتر مني بيتي الذي في دارك. فقال: لا إلا بأربعة آلاف منجمة. فقال: أما والله لولا أني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: (الجار أحق بصقبه) ما بعتكها، وقد أعطيتها بخمسمائة دينار. قلت: هذا معارض بما أخرجه النسائي وابن ماجة عن حسين المعلم عن عمرو ابن شعيب عن عمرو بن الشريد عن أبيه: (أن رجلا قال: يا رسول الله: أرضي ليس فيها لأحد شرك ولا قسم إلا الجوار! فقال: الجار أحق بصقبه). الصقب، بالصاد: ما قرب من الدار، ويقال: السقب أيضا بالسين. وقال ابن دريد: سقبت الدار سقوبا وأسقبت: لغتان فصيحتان، أي: قربت، وأبياتهم متساقبة أي: متدانية. وفي (الجامع): هو بالصاد أكثر. وفي (المنتهى): الصقب، بالتحريك: التقرب. يقال: هذا أصقب الموضعين إليك، أي: أقربهما، وفي (الزاهر) للأنباري: الصقب: الملاصقة كأنه أراد بما يليه وما يقرب منه.