السائل عن اللقطة هو بلال، رضي الله تعالى عنه، وعزاه لأبي داود، ورد عليه بعضهم بأنه ليس في نسخ أبي داود شيء من ذلك، وفيه بعد أيضا لأنه لا يوصف بأنه أعرابي. قلت: ابن بشكوال لم يصرح بأن الأعرابي الذي سأل هو بلال، رضي الله تعالى عنه، وإنما قال: السائل المذكور في رواية سليمان بن بلال، وهو قوله: سأله رجل، وفي رواية الترمذي: سئل النبي صلى الله عليه وسلم هو بلال ولفظ السائل أعم من الأعرابي وغيره، وبلال وغيره، وابن بشكوال أوضح السائل بأنه بلال، رضي الله تعالى عنه، فإنه كلام ليس فيه غبار، وليس فيه بعد، ولو صرح بقوله: الأعرابي هو بلال، لكان ورد عليه ما قاله، وأما عزو ابن بشكوال ذلك إلى أبي داود فليس بصحيح، لأن أبا داود روى هذا الحديث بطرق كثيرة، وليس فيه ما عزاه ابن بشكوال إليه، وإنما لفظه: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة، وليس لبلال ذكر أصلا، فافهم. ثم قال هذا القائل: ثم ظفرت بتسمية السائل وذلك فيما أخرجه الحميدي والبغوي وابن السكن والماوردي والطبراني، كلهم من طريق محمد بن معن الغفاري عن ربيعة عن عقبة بن سويد الجهني عن أبيه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة، فقال: عرفها سنة ثم أوثق وعاءها... الحديث، قال: وهو أولى ما فسر به هذا المبهم لكونه من رهط زيد بن خالد الجهني. انتهى. قلت: حديث سويد بن عقبة الذي يرويه عنه ابنه عقبة غير حديث زيد بن خالد، فكيف يفسر المبهم الذي في حديث زيد بن خالد بحديث سويد؟ ولا يلزم من كون سويد من رهط زيد أن يكون حديثهما واحدا بحسب الصورة، وإن كانا في المعنى من باب واحد، وأيضا هو استبعد كلام ابن بشكوال في إطلاق الأعرابي على بلال، وكيف لا يستبعد هنا إطلاق الأعرابي على سويد بن عقبة؟ ولا يلزم من سؤال سويد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة أن يكون هو الأعرابي الذي في حديث زيد بن خالد. قوله: (فسأله عما يلتقطه) أي: عن الشيء الذي يلتقطه، ووقع في أكثر الروايات أنه سأل عن اللقطة، ووقع في رواية لمسلم: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة الذهب أو الورق، وهذا ليس بقيد، وإنما هو كالمثال، وحكم غير الذهب والفضة كحكمهما، ووقع في رواية لأبي داود: وسئل عن النفقة. قوله: (عرفها)، بالتشديد أمر من التعريف. قوله: (ثم احفظ عفاصها)، بكسر العين المهملة وتخفيف الفاء وبالصاد هو: الوعاء الذي يكون فيه النفقة، سواء كان من جلد أو خرقة أو حرير أو غيرها، واشتقاقه من: العفص، وهو الثني والعطف لأن الوعاء يثنى علي ما فيه، ووقع في (زوائد المسند) لعبد الله بن أحمد من طريق الأعمش عن سلمة في حديث أبي أو خرقتها، بدل عفاصها، ووقع في حديث أبي أيضا: احفظ وعاءها وعددها ووكاءها، وفي حديث زيد بن خالد: إحفظ عفاصها ووكاءها، فأسقط ذكر العدد وزاد ذكر العفاص، وقد اختلف في العفاص، فذهب أبو عبيد إلى أنه ما يربط فيه النفقة، وقال الخطابي: أصله: الجلد الذي يلبس رأس القارورة. وقال الجمهور: وهو الوعاء: قال شيخنا: قول الخطابي هو الأولى، فإنه جمع في حديث زيد بين الوعاء والعفاص، فدل على أنه غيره. قلت: الذي ذكره شيخنا هو في رواية الترمذي، وفي رواية البخاري ذكر العفاص والوكاء، والذي يقول: العفاص هو الوعاء، هو الأولى، ولم يجمع في حديث زيد إلا العفاص والوكاء، لأن الأصل حفظ العفاص الذي هو الوعاء. فإن قلت: في رواية الترمذي: ثم اعرف وعاءها ووكاءها وعفاصها، فعلى ما ذكرت يكون ذكر الوعاء أو ذكر العفاص تكرارا؟ قلت: قد ذكرت أن العفاص فيه اختلاف، فعلى قول من فسر العفاص بالجلد الذي يلبس رأس القارورة لا يكون تكرارا. فإن قلت: ذكر العدد في حديث أبي، ولم يذكره في حديث زيد؟ قلت: قد جاء ذكر العدد في حديث زيد أيضا في رواية لمسلم، أو الظاهر أن تركه هنا بسهو من الراوي، والله أعلم. قوله: (فإن جاء أحد يخبرك بها)، جواب الشرط محذوف، تقديره: فإن جاء أحد يخبرك باللقطة وأوصافها فأدها إليه، وفي رواية محمد بن يوسف عن سفيان، كما سيأتي، فإن جاء أحد يخبرك بعفاصها ووكائها. قوله: (وإلا فاستنفقها)، أي: وإن لم يأت أحد بعد التعريف حولا فاستنفقها من الاستنفاق، وهو استفعال، وباب الاستفعال للطلب، لكن الطلب على قسمين: صريح وتقديري، وههنا لا يتأتى الصريح فيكون للطلب التقديري، كما في قولك: استخرجت الوتد من الحائط: فإن قلت: في رواية مالك كما يجيء بعد باب: (اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة)، وفي رواية أبي داود، من طريق عبد الله بن يزيد مولى المنبعث بلفظ: (عرفها حولا فإن جاء صاحبها فادفعها إليه، وإلا أعرف وكاءها وعفاصها ثم اقبضها في مالك). فرواية مالك تقتضي سبق المعرفة على التعريف، ورواية
(٢٦٩)