والحديث إذا خالف القياس يشترط فقه الراوي، وأبو هريرة ليس كذلك، فهذا تشنيع منهم عليهم، لأن الشيخ أبا الحسن الكرخي قال: ليس فقه الراوي شرطا لتقديم خبره على القياس، بل يقبل خبر كل عدل فقيها كان أو غيره، إذا لم يكن معارضا بدليل أقوى منه، وتبعه على ذلك جماعة من المشايخ، وقال صدر الإسلام: وإليه مال أكثر العلماء، والذي ذكروه هو مذهب عيسى بن أبان وبعض المتأخرين، مع أن أحدا منهم لم يذكر أبا هريرة بما نسبه إليه من قلة الفقه، وكيف لم يكن فقيها وكان يفتي في زمن الصحابة ولم تكن الفتوى في زمانهم إلا للفقهاء؟ وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالحفظ فاستجاب الله دعاءه فيه، حتى انتشر في العالم ذكره.
وأما قولهم: كل حديث أصل برأسه، فسلمنا ذلك إذا كان كل واحد متعلقا بأصل غير الأصل الذي يتعلق به الآخر، وأما إذا كان حديثان أو أكثر ومخرجهما واحد فلا يفرق حينئذ بينهما. وأما قولهم: وقد ينقض ملك المالك كالشفعة.. إلى آخره، غير صحيح، لأن مشتري الدار لا يثبت له الملك مع وجود الشفيع، ولو قبضها فملكه على شرف السقوط، ولا يتم له الملك إلا بترك الشفيع شفعته، والمرأة لا تملك الصداق قبل الدخول ملكا تاما، وهو أيضا على شرف السقوط، ولهذا لو قبضت صداقها وطلقها زوجها يرجع عليها بنصف الصدق، والملك في الصورتين غير تام، فكيف يقال: وقد ينقض ملك المالك. وأما الرهن فإن يد المرتهن يد استيفاء لا يد ملك، ولهذا ليس له أن يتصرف فيه تصرف الملاك. وأما عند اختلاف المتبايعين فلا يثبت الملك لأحدهما إلا بعد الاتفاق على الإتمام أو على الفسخ، وأما المكاتب فإنه عبد ولو بقي عليه درهم، فمتى يملك نفسه حتى يقال ينقض ملكه عند العجز؟ وأما قولهم: وقد أخذت الحنفية بحديث القهقهة في الصلاة مع كونه مخالفا للأصول، وضعفه أيضا، فإنما أخذوا به لكون راويه معروفا بالعدالة، والمعروف بالعدالة يقبل قوله، وإن لم يكن معروفا بالفقه، سواء وافق خبره القياس أو خالفه. وأما تضعيفهم خبر القهقهة فغير صحيح، لأنه رواه جماعة من الصحابة الفقهاء كأبي موسى الأشعري وجابر وعمران وسلمة بن زيد، رضي الله تعالى عنهم، وقد اتقنا الكلام فيه في (شرحنا للهداية).
51 ((باب من أخر الغري إلاى الغد أو نحوه ولم ير ذالك مطلا)) أي: هذا باب في بيان حكم من أخر من الحكام غريم شخص أي: أخر طلب حقه من غريمه إلى الغد. قوله: (أو نحوه) مثلا إلى يومين أو ثلاثة، ونحو ذلك. قوله: (ولم ير ذلك) أي: تأخيره إلى الغد ونحوه (مطلا) أي: تسويفا بالحق، وهذه الترجمة ساقطة في رواية النسفي، وحديثها كذلك ولذلك لم يشرحها أكثر الشراح.
وقال جابر اشتد الغرماء في حقوقهم في دين أبي فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبلوا ثمر حائطي فأبوا فلم يعطهم الحائط ولم يكسره لهم وقال سأغدو عليك غدا فغدا علينا حين أصبح فدعا في ثمرها بالبركة فقضيتهم مطابقته للترجمة في قوله: (سأغدو عليك غدا) وهذا التعليق قد أخرجه موصولا فيما مضى عن قريب في: باب إذا قضى دون حقه أو حلله، وفي الباب الذي يليه أيضا. وفيه زيادة، وهي قوله: ولم يكسره لهم، وذكرها في كتاب الهبة ومعناه...
.
61 ((باب من باع مال المفلس أو المعدم فقسمه بين الغرماء أو أعطاه حتى ينفق على نفسه)) أي: هذا باب في بيان حكم من باع من الحكام مال المفلس أو المعدم، بكسر الدال، وهو الفقير قوله (فقسمه) أي قسم مال المفلس بين غرمائه. قوله: (أو أعطاه) أي: أو أعطى مال المعدم له بعد أن باعه لينفق على نفسه، وفيه اللف والنشر، قاله الكرماني: ووجهه ما ذكرته.
3042 حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حسين المعلم حدثنا عطاء بن أبي رباح