لا ينعقد إلا بالتزويج أو الإنكاح، وبه قال ربيعة وأبو ثور وأبو عبيد وداود وآخرون. وقال ابن القاسم: إن وهب ابنته وهو يريد إنكاحها فلا أحفظه عن مالك، وهو عندي جائز كالبيع، وحكاه ابن عبد البر عن أكثر المالكية المتأخرين، ثم قال: الصحيح أنه لا ينعقد بلفظ الهبة نكاح كما أنه لا ينعقد بلفظ النكاح هبة شيء من الأموال وفي الجواهر، أركان النكاح أربعة: الصيغة: وهي كل لفظ يقتضي التمليك على التأبيد في حال الحياة كالإنكاح والتزويج والتمليك والبيع والهبة، وما في معناها، قال القاضي أبو الحسن، ولفظ الصدقة، وفي (الروضة) للنووي: ولا ينعقد بغير لفظ التزويج والإنكاح، وكذا قال في (حاوي) الحنابلة.
الرابع فيه: استحباب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح ليتزوجها.
الخامس: فيه: أنه يستحب لمن طلبت إليه حاجته وهو لا يريد أن يقضيها أن لا يخجل الطالب بسرعة المنع، بل يسكت سكوتا يفهم السائل ذلك منه، اللهم إلا إذا لم يفهم السائل ذلك إلا بصريح المنع، فيصح. وفي رواية للبخاري من رواية حماد بن زيد عن أبي حازم: التصريح بالمنع، بقوله فقال مالك: ما لي اليوم في النساء حاجة.
السادس فيه: أن من طلب حاجة يريد بها الخير فسكت عنه لا يرجع من أول وهلة لاحتمال قضائها فيما بعد، وفي رواية للطبراني: فقامت حتى راقبنا لها من طول القيام... الحديث، بل لا بأس بتكرار السؤال إذا لم يجب.
السابع فيه: أنه لا بأس بالخطبة لمن عرضت نفسها على غيره إذا صرح المعروض بالرد أو فهم منه بقرينة الحال.
الثامن: فيه: انعقاد النكاح بالاستيجاب وإن لم يوجد بعد الإيجاب قبول، وقد بوب عليه البخاري: باب إذا قال الخاطب للولي: زوجني فلانة، فقال: زوجتكها بكذا وكذا، جاز النكاح وإن لم يقل الزوج رضيت أو قبلت، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي، وقال الرافعي: إن هذا هو النص، وظاهر المذهب قال وحكى الإمام وجها، أن من الأصحاب من أثبت فيه الخلاف.
التاسع: أن التعليق في الاستيجاب لا يمنع من صحة العقد، وقال شيخنا: قد أطلق أصحاب الشافعي تصحيح القول بأن النكاح لا يقبل التعليق، قال الرافعي: إنه الأصح الذي ذكره الأكثرون، وحكوا عن أبي حنيفة صحة النكاح مع التعليق. قلت: مذهب الإمام أنه إذا علق النكاح بالشرط يبطل الشرط ويصح النكاح، كما إذا قال: تزوجتك بشرط أن لا يكون لك مهر.
العاشر: فيه: استحباب تعيين الصداق، لأنه أقطع للنزاع وأنفع للمرأة، لأنها إذا طلقت قبل الدخول وجب لها نصف المسمى، بخلاف ما إذا لم يسم المهر فإنه إنما تجب المتعة.
الحادي عشر: فيه: جواز تزويج الولي والحاكم المرأة للمعسر إذا رضيت به.
الثاني عشر: فيه: أنه لا بأس للمعسر المعدم أن يتزوج امرأة إذا كان محتاجا إلى النكاح، لأن الظاهر من حال هذا الرجل الذي في الحديث أنه كان محتاجا إليه، وإلا لما سأله مع كونه غير واجد إلا إزاره، وليس له رداء، فإن كان غير محتاج إليه يكره له ذلك.
الثالث عشر في قوله: إزارك إن أعطيته جلست ولا إزار لك، دليل على أن المرأة تستحق جميع الصداق بالعقد قبل الدخول، وبه قال الشافعي وأصحابه، ونحن نقول: لا تستحق إلا النصف، وبه قال مالك، وعنه كقول الشافعي.
الرابع عشر: استدل الشافعي بقوله: ولو خاتما من حديد، على أنه يكتفي بالصداق، بأقل ما يتمول به كخاتم الحديد ونحوه. وفي (الروضة): ليس للصداق حد مقدر بل كل ما جاز أن يكون ثمنا ومثمنا أو أجرة جاز جعله صداقا، وبه قال أحمد، ومذهب مالك: أنه لا يرى فيه عددا معينا، بل يجوز بكل ما وقع عليه الاتفاق، غير أنه يكون معلوما: وعن مالك: لا يجوز بأقل من ربع دينار، وقال ابن حزم: وجائز أن يكون صداقا كل ما له نصف، قل أو كثر، ولو أنه حبة بر أو حبة شعير أو غير ذلك، وعن إبراهيم النخعي: أكره أن يكون المهر مثل أجر البغي، ولكن العشرة والعشرون. وعنه: السنة في النكاح الرطل من الفضة، وعن الشعبي: أنهم كانوا يكرهون أن يتزوج الرجل على أقل من ثلاث أواقي. وعن سعيد بن جبير: أنه كان يحب أن يكون الصداق خمسين درهما، وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يجوز أن يكون الصداق أقل من عشرة دراهم. لما روى ابن أبي شيبة في (مصنفه): عن شريك عن داود الزعافري عن الشعبي، قال: قال علي، رضي الله تعالى عنه: لا مهر بأقل من عشرة دراهم، والظاهر أنه قال ذلك توقيفا، لأنه باب لا يوصل إليه بالاجتهاد والقياس فإن قلت. قال ابن حزم: الرواية عن علي باطلة لأنها عن داود بن يزيد الزعافري الأودي وهو في غاية السقوط، ثم هي مرسلة لأن الشعبي لم يسمع من علي حديثا. قلت: قال ابن عدي: لم أر حديثا منكرا جاوز الحد، إذ روى عنه ثقة، وإن كان ليس بقوي في