نزل على الجعرانة فيمن معه من الناس ولما نزل على الجعرانة انتظر وفد هوازن بضع عشرة ليلة، وهو معنى قوله في الحديث: (انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف)، ثم جرى ما ذكر في الحديث. قوله: (أن يطيب) من الثلاثي من طاب يطيب ومن باب أطاب يطيب، ومن باب التفعيل من طيب يطيب. قال الكرماني: يعني يرد السبي مجانا برضا نفسه وطيب قلبه. وفي (التوضيح): أراد أن يطيب أنفسهم، لأهل هوازن، بما أخذ منهم من العيال لرفع الشحناء والعداوة ولا تبقى إحنة الغلبة لهم في انتزاع السبي منهم في قلوبهم، فيولد ذلك اختلاف الكلمة. قلت: المعنى على كونه من الثلاثي: أن يطيب نفسه بذلك أي: يدفع السبي إلهم فليفعل، وهو جواب: من المتضمنة معنى الشرط، فلذلك حصلت فيه الفاء، والفعل هنا لازم وعلى كونه من باب الإفعال أو التفعيل يكون الفعل متعديا والمفعول محذوفا تقديره: أن يطيب نفسه بذلك، بضم الياء وكسر الطاء وسكون الياء، وأن يطيب، بضم الياء وفتح الطاء وتشديد الياء. قوله: (على حظه) أي: على نصيبه من السبي. قوله: (ما يفيء الله) من: أفاء يفيء من باب: أفعل يفعل من الفيء، وهو ما يحصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد، وأصل الفيء: الرجوع. يقال: فاء يفيء فيئة وفيوا كأنه كان في الأصل لهم فرجع إليهم، ومنه قيل للظل الذي بعد الزوال: فيء، لأنه يرجع من جانب الغرب إلى جانب الشرق. قوله: (قد طيبنا ذلك لرسول الله، صلى الله عليه وسلم)، أي: لأجله، ويروى: يا رسول الله. قوله: (حتى يرفع إلينا عرفاؤكم) العرفاء جمع عريف، وهو الذي يعرف أمر القوم وأحوالهم، وهو النقيب وهو دون الرئيس. وفي (التلويح): العريف: القيم بأمر القبيلة والمحلة يلي أمرهم ويعرف الأمير حالهم، وهو مبالغة في اسم من يعرف الجند ونحوهم، فعيل بمعنى فاعل، والعرافة عمله وهو النقيب، وقيل: النقيب فوق العريف وإنما قال صلى الله عليه وسلم: (حتى يرجع إلينا عرفاؤكم) للتقصي عن أصل الشيء في استطابة النفوس، ويروى: حتى يرفعوا إلينا، على لغة أكلوني البراغيث. قوله: (أخبروه) أي: وأخبر عرفاؤهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد طيبوا ذلك وأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد السبي إليهم.
ذكر ما يستفاد منه: فيه: أن الغنيمة إنما يملكها الغانمون بالقسمة، وهو قول الشافعي، واستفيد ذلك من انتظاره، صلى الله عليه وسلم. وفيه: دليل أيضا على استرقاق العرب وتملكهم كالعجم، إلا أن الأفضل عتقهم للترحم ومراعاتها، كما فعل عمر، رضي الله تعالى عنه، في خلافته، حين ملك المرتدين، وهو على وجه الندب لا على الوجوب. وفيه: أن العوض إلى أجل مجهول جائز، قاله ابن التين: قال: إذ لا يدري متى يفيء الله عليهم. قال: وقال بعضهم: يمكن أن يقاس عليه من أكره على بيع ماله في حق عليه، قال ابن بطال: فيه بيع المكره في الحق جائز، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، حكم دبر السبي، قال: من أحب أن يكون على حظه ولم يجعل لهم الخيار في إمساك السبي أصلا وإنما خيرهم في أن يعوضهم من غنائم أخر، ولم يخيرهم في أعيان السبي، لأنه قال لهم بعد أن رد أهلهم: وإنما خيرهم في إحدى الطائفتين لئلا تجحف بالمسلمين في مغانمهم. وفيه: أنه يجوز للامام إذا جاءه أهل الحرب مسلمين بعد أن غنم أموالهم وأهليهم أن يرد عليهم إذا رأى في ذلك مصلحة. وفيه: اتخاذ العرفاء. وفيه: قبول خبر الواحد. وفيه: من رأى قبول إقرار الوكيل على موكله، لأن العرفاء كانوا كالوكلاء فيما أقيموا له من أمرهم، فلما سمع النبي، صلى الله عليه وسلم، مقالة العرفاء أنفذ ذلك ولم يسألهم عما قالوه، وكان في ذلك تحريم فروج السبايا على من كانت حلت له، وإليه ذهب أبو يوسف، وقال أبو حنيفة: إقرار الوكيل جائز عند الحاكم، ولا يجوز عند غيره، وقال مالك: لا يقبل إقراره ولا إنكاره إلا أن يجعل ذلك إليه موكله. وقال الشافعي: لا يقبل إقراره عليه، والله أعلم.
8 ((باب إذا وكل رجل أن يعطي شيئا ولم يبين كم يعطي فأعطى على ما يتعارفه الناس)) أي: هذا باب يذكر فيه إذا وكل رجل رجلا أن يعطي شيئا ولم يعين أي: الذي وكل كم يعطي أي: الوكيل فأعطى أي: الوكيل على ما يتعارفه الناس، أي: على عرف الناس في هذه الصورة، وجزاء: إذا، محذوف تقديره: فهو جائز أو نحوه.