عشرون سوطا. وقالت طائفة: لا يتجاوز بالتعزير تسعة، وهو بعض قول الشافعي. وقالت طائفة: أكثره عشرة أسواذ فأقل لا يتجاوز به أكثر من ذلك، وهو قول الليث بن سعد والشافعي وأصحاب الظاهر، وأجابوا عن الحديث المرفوع، وهو قوله، صلى الله عليه وسلم: (لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله)، بأنه في حق من يرتدع بالردع، ويؤثر فيه أدنى الزجر كأشراف الناس وأشراف أشرافهم، وأما السفلة وأسقاط الناس فلا يؤثر فيهم عشر جلدات ولا عشرون، فيعزرهم الإمام بحسب ما يراه، وقد ذكر الطحاوي حديث حمزة بن عمرو المذكور في: باب الرجل يزني بجارية امرأته، فروى في أول الباب حديث سلمة بن المحبق: أن رجلا زنى بجارية امرأته، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (إن كان استكرهها فهي حرة وعليه مثلها، وإن كانت طاوعة فهي له وعليه مثلها). ثم قال: فذهب قوم إلى هذا الحديث، وقالوا: هذا هو الحكم فيمن زنى بجارية امرأته. قلت: أراد بالقوم: الشعبي وعامر بن مطر وقبيصة والحسن، ثم قال الطحاويي: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: بل نرى عليه الرجم إن كان محصنا، والجلد: إن كان غير محصن. قلت: أراد بالآخرين هؤلاء جماهير الفقهاء من التابعين، ومن بعدهم منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأصحابهم، ثم أجابوا عن حديث سلمة بن المحبق أنه منسوخ بحديث النعمان بن بشير، رواه الطحاوي وأبو داود والترمذي وابن ماجة ولفظ أبي داود: أن رجلا يقال له عبد الرحمن بن حنين وقع على جارية امرأته، فرفع إلى النعمان بن بشير، وهو أمير على الكوفة، فقال: لأقضين فيك بقضية رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إن كانت أحلتها لك جلدتك مائة، وإن لم تكن أحلتها لك رجمتك بالحجارة، فوجدوها أحلتها له، فجلده مائة. قال الطحاوي: فثبت بهذا ما رواه سلمة بن المحبق، قالوا: قد عمل عبد الله بن مسعود بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما في حديث سلمة فأجاب الطحاوي عن هذا بقوله: وخالفه في ذلك حمزة بن عمرو الأسلمي، وساق حديثه على ما ذكرناه آنفا، وقال أيضا: وقد أنكر علي، رضي الله تعالى عنه، على عبد الله بن مسعود في هذا قضاءه بما قد نسخ، فقال: حدثنا أحمد بن الحسن، قال: حدثنا علي بن عاصم عن خالد الحذاء عن محمد بن سيرين، قال: ذكر لعلي، رضي الله تعالى عنه، شأن الرجل الذي أتى ابن مسعود وامرأته، وقد وقع على جارية امرأته، فلم ير عليه حدا، فقال علي: لو أتاني صاحب ابن أم عبد لرضخت رأسه بالحجارة، لم يدر ابن أم عبد ما حدث بعده، فأخبر علي، رضي الله تعالى عنه، أن ابن مسعود تعلق في ذلك بأمر قد كان ثم نسخ بعده، فلم يعلم ابن مسعود بذلك، وقد خالف علقمة بن قيس النخعي عن عبد الله ابن مسعود في الحكم المذكور، وذهب إلى قول من خالف عبد الله، والحال أن علقمة أعلم أصحاب عبد الله بعبد الله وأجلهم، فلو لم يثبت نسخ ما كان ذهب إليه عبد الله لما خالف قوله، مع جلالة قدر عبد الله عنده.
وقال جرير والأشعث لعبد الله بن مسعود في المرتدين استتبهم وكفلهم فتابوا وكفلهم عشائرهم مطابقته للترجمة في قوله: (وكفلهم) ولا خلاف في جواز الكفالة بالنفس، جرير هو ابن عبد الله البجلي، والأشعث بن قيس الكندي الصحابي، وهذا التعليق مختصر من قصة أخرجا البيهقي بطولها من طريق أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب، قال: صليت الغداة مع عبد الله بن مسعود، فلما سلم قام رجل فأخبره أنه انتهى إلى مسجد بني حنيفة، فسمع مؤذن عبد الله بن نواحة يشهد أن مسيلمة رسول الله، فقال عبد الله: علي بابن النواحة وأصحابه، فجيء بهم، فأمر قريظة بن كعب فضرب عنق ابن النواحة، ثم استشار الناس في أولئك النفر، فأشار إليه عدي بن حاتم بقتلهم، فقام جرير والأشعث فقالا: بل استتبهم وكفلهم عشائرهم، وروى ابن أبي شيبة من طريق قيس بن أبي حازم أن عدة المذكورين كانوا مائة وسبعين رجلا، ومعنى التكفيل هنا ما ذكرناه في حديطث حمزة بن عمرو: الضبط والتعهد حتى لا يرجعوا إلى الارتداد، لا أنه كفالة لازمة.
وقال حماد إذا تكفل بنفس فمات فلا شيء عليه وقال الحكم يضمن حماد هو ابن أبي سليمان، واسمه مسلم الأشعري أبو إسماعيل الكوفي الفقيه، وهو أحد مشايخ الإمام أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه، وأكثر الرواية عنه، وثقه يحيى بن معين والنسائي وغيرهما، مات سنة عشرين ومائة. والحكم، بفتحتين: هو ابن عتيبة، ومذهبه أن الكفيل بالنفس يضمن الحق الذي على المطلوب، وهو أحد قولي الشافعي. وقال مالك والليث والأوزاعي إذا تكفل