أمي) خالد أبو خالد جميع من رواه فقال: (إن أختي) كما ذكرناه، واختلف عن أبي بشر عن سعيد بن جبير فقال هشيم عنه: ذات قرابة لها، وقال شعبة عنه: إن أختها، أخرجهما أحمد. وقال حماد عنه: ذات قرابة لها، إما أختها وإما ابنتها. قوله: (وعليها شهر صوم)، هكذا في أكثر الروايات، وفي رواية أبي جرير: (خمسة عشر يوما)، وفي رواية أبي خالد: (شهرين متتابعين)، وروايته هذه تقتضي أن لا يكون الذي عليها صوم شهر رمضان بخلاف رواية غيره، فإنها محتملة إلا رواية زيد بن أبي أنيسة، فقال: (إن عليها صوم نذر)، وهذا ظاهر في أنه غير رمضان. وبين أبو بشر في روايته سبب النذر، فروى أحمد من طريق شعبة لا (عن أبي بشر أن امرأة ركبت البحر فنذرت أن تصوم شهرا، فماتت قبل أن تصوم فأتت أختها إلى النبي صلى الله عليه وسلم...) الحديث. قوله: (أفأقاضيه؟) الهمزة للاستفهام. قوله: (فدين الله)، تقدير الكلام: حق العبد يقضى فحق الله أحق، كما في الرواية الأخرى هكذا: (فحق الله أحق).
ذكر ما يستفاد منه: اجتج به من ذكرناهم ممن احتج بحديث عائشة السابق في جواز الصوم عن الميت، وجواب المانعين عن ذلك هو ما قاله ابن بطال: ابن عباس راويه وقد خالفه بفتواه، فدل على نسخ ما رواه وتشبيهه صلى الله عليه وسلم بدين العباد حجة لنا لأنها قالت: أفأقاضيه عنها؟ وقال: (أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟) وإنما سألها هل كنت تقضيه؟ لأنه لا يجب عليها أن تقضي دين أمها. وقال ابن عبد الملك: فيه اضطراب عظيم يدل على وهم الرواة، وبدون هذا يقبل الحديث. وقال بعضهم، ما ملخصه: إن الاضطراب لا يقدح في موضع الاستدلال من الحديث، ورد بأنه كيف لا يقدح والحال أن الاضطراب لا يكون إلا من الوهم؟ كما مر، أو هو مما يضعف الحديث؟ وقال هذا القائل أيضا في دفع الاضطراب فيمن قال: إن السؤال وقع عن نذر: فمنهم من فسره بالصوم ومنهم من فسره بالحج، والذي يظهر أنهما قضيتان ويؤيده أن السائلة في نذر الصوم خثعمية. وعن نذر الحج جهينة، ورد عليه بقوله أيضا: وقد قدمنا في أواخر الحج أن مسلما روى من حديث بريدة أن امرأة سألت عن الحج وعن الصوم معا، فهذا يدل على اتحاد القضية.
وأما حديث بريدة فأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة من رواية عبد الله بن عطاء عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: (بينما أنا جالس عند النبي، صلى الله عليه وسلم، إذا أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية وأنها ماتت، قال: فقد وجب أجرك، وردها عليك الميراث. قالت: يا رسول الله! إنه كان عليها صوم شهر، أفأصوم عنها؟ قال: صومي عنها. قالت: إنها لم تحج قط، أفأحج عنها؟ قال: حجي عنها). لفظ مسلم.
وقال القرطبي: إنما لم يقل مالك بحديث ابن عباس لأمور: أحدها: أنه لم يجد عليه عمل أهل المدينة. الثاني: أنه حديث اختلف في إسناده ومتنه. الثالث: أنه رواه البزار وقال في آخره: لمن شاء، وهذا يرفع الوجوب الذي قالوا به. الرابع: أنه معارض لقوله تعالى * (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) * (الأنعام: 461). وقوله تعالى: * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * (الأنعام، 461، الإسراء: 51، فاطر: 81، والزمر: 7). وقوله تعالى: * (وإن ليس للإنسان إلا ما سعى) * (النجم: 93). الخامس: أنه معارض لما أخرجه النسائي عن ابن عباس عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدا من طعام). السادس: أنه معارض للقياس الجلي، وهو أنه عبادة بدنية، فلا مدخل للمال فيها، ولا يفعل عمن وجب عليه كالصلاة، ولا ينقض هذا بالحج، لأن للمال فيه مدخلا انتهى.
وقد اعترض عليه في بعض الوجوه، فمن ذلك في قوله: اختلف في إسناده ومتنه، قيل: هذا لا يضره، فإن من أسنده أئمة ثقات. وأجيب: بأن الكلام ليس في الرواة، والكلام في اختلاف المتن فإنه يورث الوهن. ومنه: في قوله: رواه البزار، قيل: الذي زاده البزار من طريق ابن لهيعة ويحيى بن أيوب، وحالهما معلوم. وأجيب: بما حالهما: فابن لهيعة حدث عنه أحمد بحديث كثير، وعنه من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه، وروى عنه مثل سفيان الثوري وشعبة وعبد الله بن المبارك والليث بن سعد، وهو من أقرانه، وروى له مسلم مقرونا بعمرو بن الحارث وأبو داود والترمذي وابن ماجة، وأما يحيى بن أيوب الغافقي المصري فإن الجماعة رووا له. ومنه في قوله: إنه معارض لقوله تعالى، الآيات الثلاث، قيل: هذه في قوم إبراهيم وموسى، عليهما الصلاة والسلام، وأجيب: بأن