عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ٢٥٠
سالم بن عمر: أنهم كانوا يضربون على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا اشتروا طعاما جزافا أن يبيعوه في مكانه حتى يحولوه). وأخرجه أبو داود فيه عن الحسن بن علي عن عبد الرزاق. وأخرجه النسائي فيه عن نصر بن علي عن يزيد بن زريع.
قوله: (مجازفة)، نصب على أنه صفة لمصدر محذوف، أي: يشترون الطعام شراء مجازفة، ويجوز أن يكون نصبا على الحال، يعني: حال كونهم مجازفين، والجزاف مثلث الجيم، والكسر أفصح وأشهر؛ وهو البيع بلا كيل ولا وزن ولا تقدير. وقال ابن سيده: وهو يرجع إلى المساهلة، وهو دخيل. وقال القرطبي: في حديث الباب دليل لمن سوى بين الجزاف والمكيل من الطعام في المنع من بيع ذاك حتى يقبض، ورأى أن نقل الجزاف قبضه، وبه قال الكوفيون والشافعي وأبو ثور وأحمد وداود، وحمله مالك على الأولى والأحب.
ولو باع الجزاف قبل نقله جاز، لأنه بنفس تمام العقد في التخلية بينه وبين المشتري صار في ضمانه، وإلى جواز ذلك صار سعيد بن المسيب والحسن والحكم والأوزاعي وإسحاق. وقال ابن قدامة: إباحة بيع الصبرة جزافا مع جهل البائع والمشتري بقدرها لا نعلم فيه خلافا، فإذا اشترى الصبرة جزافا لم يجز بيعها حتى ينقلها، نص عليه أحمد في رواية الأثرم، وعنه رواية أخرى: بيعها قبل نقلها، اختاره القاضي، وهو مذهب مالك. ونقلها قبضها، كما جاء في الخبر. وفي (شرح المهذب) عند الشافعي: بيع الصبرة من الحنطة والتمر مجازفة صحيح، وليس بحرام. وهل هو مكروه؟ فيه قولان أصحهما مكروه كراهة تنزيه، والبيع بصبرة الدراهم كذلك حكمه، وعن مالك أنه لا يصح البيع إذا كان بائع الصبرة جزافا يعلم قدرها، كأنه اعتمد على ما رواه الحارث بن أبي أسامة عن الواقدي عن عبد الحميد بن عمر: أن ابن أبي أنس قال: (سمع النبي، صلى الله عليه وسلم، عثمان يقول في هذا الوعاء كذا وكذا: ولا أبيعه إلا مجازفة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سميت كيلا فكل). وعند عبد الرزاق، قال: قال ابن المبارك: إن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (لا يحل لرجل باع طعاما قد علم كيله حتى يعلم صاحبه).
2312 حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا وهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع الرجل طعاما حتى يستوفيه قلت لابن عباس كيف ذاك قال ذاك دراهم بدراهم والطعام مرجأ. (الحديث 2312 طرفه في: 5312).
مطابقته للترجمة ظاهرة، لأنها فيما يذكر في البيع قبل القبض، وأنه لا يصح حتى يقبضه أو يستوفيه، فكذلك الحديث في أنه لا يصح حتى يستوفيه. ورجاله قد ذكروا غير مرة، وابن طاووس هو عبد الله.
والحديث أخرجه مسلم في البيوع أيضا عن إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد وعن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب وإسحاق بن إبراهيم أيضا. وأخرجه أبو داود فيه عن أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن رافع به وعن أحمد بن حرب وقتيبة.
قوله: (حتى يستوفيه) أي: حتى يقبضه، وقد ذكرنا أن القبض والاستيفاء بمعنى واحد. قوله: (قلت لابن عباس)، القائل هو طاووس. قوله: (كيف ذاك؟) يعني: كيف حال هذا البيع؟ حتى نهى عنه. قوله: (قال: ذاك) أي: قال ابن عباس: يكون حال ذاك البيع دراهم بدراهم والطعام غائب، وهو معنى: قوله: (والطعام مرجأ) أي: مؤخر مؤجل، معناه: أن يشتري من إنسان طعاما بدرهم إلى أجل ثم يبيعه منه أو من غيره قبل أن يقبضه بدرهمين مثلا، فلا يجوز لأنه في التقدير: بيع درهم بدرهم، والطعام غائب، فكأنه قد باعه درهمه الذي اشتري به الطعام بدرهمين، فهو وربا، لأنه بيع غائب بناجز فلا يصح. وقال ابن التين: قول ابن عباس: دراهم بدراهم، تأوله علماء السلف، وهو أن يشتري منه طعام بمائة إلى أجل ويبيعه منه قبل قبضه بمائة وعشرين، وهو غير جائز، لأنه في التقدير بيع دراهم بدراهم، والطعام مؤجل غائب. وقيل: معناه أن يبيعه من آخر ويحيله به. قوله: (والطعام مرجأ)، مبدتأ وخبر وقعت حالا، ومرجأ: بضم الميم وسكون الراء يهمز ولا يهمز، وأصله: من أرجيت الأمر وأرجأته: إذا أخرته. فتقول: من الهمز: مرجىء، بكسر الجيم للفاعل، والمفعول: مرجأ، للفاعل، وإذا لم تهمز قلت: مرج ومرجى للمفعول، ومنه، قيل: المرجئة، وهم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة، سموا مرجئة لاعتقادهم
(٢٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 ... » »»