وتشديد الباء الموحدة ممدودا، وهو القرع. قال ابن ولاد: واحدته دباءة، وفي (الجامع) للقزاز: الدبا بالقصر لغة في القرع. وذكره ابن سيده في الممدود الذي ليس بمقصور من لفظه، وفي (شرح المهذب): هو القرع اليابس قلت: فيه نظر، لأن القرع اليابس لا يطبخ بدليل حديث الباب، وقال أبو حنيفة في (كتاب النبات): الدباء من اليقطين ينقرش ولا ينهض، كجنس البطيخ والقثاء، وقد روى عن ابن عباس: كل ورقة اتسعت ورقت فهي يقطين.
قوله: (خبزا) قال الإسماعيلي الخبز الذي جاء به الخياط كان من شعير، قوله: (ومرقا فيه دباء وقديدا)، قال الداودي: فيه دليل على أنه صنع بذلك الخبز والمرق ثريدا لقوله: (من حوالي القصعة)، وقال القرطبي: أما تتبعه من حوالي القصعة لأن الطعام كان مختلطا، فكان يأكل ما يعجبه منه، وهو الدباء، ويترك ما لا يعجبه وهو القديد.
ذكر ما يستفاد منه فيه: الإجابة إلى الدعوة، وقد اختلف فيها. فمنهم من أوجبها، ومنهم من قال: هي سنة، ومنهم من قال: هي مندوب إليها. وفيه: دلالة على تواضع النبي صلى الله عليه وسلم إذا أجاب دعوة الخياط وشبهه. وفيه: فضيلة أنس، رضي الله تعالى عنه، حيث بلغت محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنه كان يحب ما أحبه صلى الله عليه وسلم من الأطعمة. وفيه: دليل على فضيلة القرع على غيره، وذكر أصحابنا أن من قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب القرع، فقال آخر: لا أحب القرع، يخشى عليه من الكفر. وفيه: ما قاله الكرماني: إن الصحفة التي قربت إليه كانت له وحده، فإذا كانت له ولغيره فالمستحب أن يأكل مما يليه. وفيه: جواز أكل الشريف طعام الخياط والصائغ وإجابته إلى دعوته. وفيه: إتيانه صلى الله عليه وسلم منازل أصحابه والائتمار بأمرهم، وقد قال شعيب، عليه الصلاة والسلام: * (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح) * (هود: 88). فتأسى به في الإجابة. وفيه: الإجابة إلى الثريد، وهو خير الطعام. قال الخطابي: وفيه: جواز الإجارة على الخياطة ردا على من أبطلها بعلة أنها ليست بأعيان مرئية ولا صفات معلومة، وفي صنعة الخياطة معنى ليس في سائر ما ذكره البخاري من ذكر القين والصائغ والنجار، لأن هؤلاء الصناع إنما تكون منهم الصنعة المحضة فيما يستصنعه صاحب الحديد والخشب والفضة والذهب، وهي أمور من صنعة يوقف على حدها ولا يختلط بها غيرها، والخياط إنما يخيط الثوب في الأغلب بخيوط من عنده، فيجمع إلى الصنعة الآلة، وإحداهما معناها التجارة والأخرى الإجارة، وحصة إحداهما لا تتميز من الأخرى، وكذلك هذا في الخراز والصباغ إذا كان يخرز بخيوطه ويصبغ هذا بصبغة على العادة المعتادة فيما بين الصناع، وجميع ذلك فاسد في القياس إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم وجدهم على هذه العادة أول زمن الشريعة فلم يغيرها، إذ لو طولبوا بغيرها لشق عليهم، فصار بمعزل من موضع القياس والعمل به ماض صحيح لما فيه من الإرفاق.
13 ((باب ذكر النساج)) أي: هذا باب فيه ما جاء من ذكر النساج، بفتح النون وتشديد السين المهملة وفي آخره جيم، ويلتبس بالنساخ بالخاء المعجمة في آخره.
3902 حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا يعقوب بن عبد الرحمان عن أبي حازم قال سمعت سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال جاءت امرأة ببردة قال أتدرون ما البردة فقيل له نعم هي الشملة منسوج في حاشيتها قالت يا رسول الله إني نسجت هذه بيدي أكسوكها فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها فخرج إلينا وإنها إزاره فقال رجل من القوم يا رسول الله اكسنيها فقال نعم فجلس النبي صلى الله عليه وسلم في المجلس ثم رجع فطواها ثم أرسل بها إليه فقال له القوم ما أحسنت سألتها إياه * (لقد علمت أنه لا يرد سائلا فقال الرجل والله ما سألته إلا لتكون كفني يوم أموت قال سهل فكانت كفنه.