عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ٨٣
الحج الأكبر، والعمرة يقال لها الحج الأصغر. وقيل: الحج الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو واقفا فيه: الحج الأكبر، وقيل إنما قال: عليه الصلاة والسلام: (هذا يوم الحج الأكبر) لاجتماع المسلمين والمشركين فيه، وموافقته لأعياد أهل الكتاب.
وقال الترمذي: باب ما جاء في الحج الأكبر: حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد حدثنا أبي عن أبيه عن محمد بن إسحاق عن الحارث (عن علي، رضي الله تعالى عنه، قال: سألت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن يوم الحج الأكبر؟ فقال: يوم النحر). ورواه الترمذي، رحمه الله تعالى أيضا عن علي، رضي الله تعالى عنه، موقوفا، وقال: وهو الأصح. قلت: انفرد الترمذي بإخراجه مرفوعا وموقوفا، وقد روي من غير طريق ابن إسحاق عن أبي إسحاق مرفوعا، ورواه ابن مردويه في تفسيره من رواية مغيرة الضبي، ومن رواية الأجلح كلاهما عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي، رضي الله تعالى عنه، وفي الباب عن عبد الله بن عمر، وقد ذكر الآن وعن أبي هريرة رواه أبو داود عنه، قال: (بعثني أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، فيمن يؤذن يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان). ويوم الحج الأكبر يوم النحر، والحج الأكبر الحج. وعن عبد الله بن أبي أوفى رواه ابن مردويه في تفسيره عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يوم الأضحى يوم الحج الأكبر). وفي إسناده ضعف. وعن عمرو بن الأحوص رواه الترمذي في حديث طويل في الفتن والتفسير عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع، فقال: أي يوم هذا قالوا: يوم الحج الأكبر). وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، رواه النسائي عنه، قال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة حمراء مخطومة، فقال: أتدرون أي يوم هذا؟ قالوا: يوم النحر. قال: صدقتم يوم الحج الأكبر). وقد ورد أن الحج الأكبر يوم عرفة، وهو ما رواه ابن مردويه في تفسيره من رواية ابن جريج عن محمد بن قيس (عن المسور بن مخرمة، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفات، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإن هذا اليوم يوم الحج الأكبر)، ولا يعارض هذا الأحاديث المذكورة لمجيئها من عدة طرق صحيحة، بخلاف حديث المسور لأنه فردا، وتؤول هذا كتأويل قوله: (الحج عرفة)، على معنى أن الوقوف هو المهم من أفعاله، لكون الحج يفوت بفواته، وكذلك قوله: (يوم النحر يوم الحج الأكبر)، بمعنى أن أكثر أفعال الحج من الرمي والحلق والطواف فيه، وفي (شرح الترمذي) لشيخنا زين الدين، رحمه الله تعالى.
واختلف العلماء في يوم الحج الأكبر على أقوال: أحدها: أنه يوم النحر، وهو قول علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، وعبد الله بن أبي أوفى والشعبي ومجاهد. والقول الثاني: أنه يوم عرفة، ويروى ذلك عن عمر وابنه عبد الله بن عمر. والقول الثالث: أنه أيام الحج كلها، وقد يعبر عن الزمان باليوم كقولهم: يوم بعاث ويوم الجمل ويوم صفين ونحو ذلك، وهو قول سفيان الثوري. وقال مجاهد: الأكبر القران، والأصغر الإفراد، وروى ابن مردويه في تفسيره من رواية الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (يوم الحج الأكبر يوم حج أبو بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه). زاد في رواية: (بالناس).
قوله: (فطفق النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول...) إعلم أن طفق من أفعال المقاربة، وهي على ثلاثة أنواع: منها: ما وضع للدلالة على الشروع في الخبر، وكلمة طفق من هذا القبيل، وهو يعمل عمل كاد إلا أن خبره يجب أن يكون جملة، وههنا قول: يقول، جملة وقعت خبرا له. وقال الجوهري: طفق يفعل كذا يطفق طفقا، أي: جعل يفعل. ومنه قوله تعالى: * (وطفقا يخصفان) * (الأعراف: 22 وطه: 121). قال الأخفش: وبعضهم يقول: طفق، بالفتح، يطفق طفوقا. انتهى. قلت: الأول: من باب علم يعلم، والثاني: من باب ضرب يضرب، فافهم. ووقع في رواية ابن ماجة وغيره بين قوله: (يوم الحج الأكبر)، وبين قوله: (فطفق) من الزيادة وهي قوله: (ودماؤكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة هذا البلد في هذا اليوم). قوله: (فودع الناس)، لأنه علم أنه لا يتفق له بعد هذا وقفة أخرى ولا اجتماع آخر مثل ذلك، وسبب ذلك ما رواه البيهقي وهو: (أنه أنزلت * (إذا جاء نصر الله والفتح) (الفتح: 1). على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق، وعرف أنه الوداع فأمر براحلته القصواء فرحلت له، فركب فوقف بالعقبة واجتمع الناس إليه، فقال: يا أيها الناس إن كل دم كان في الجاهلية...) الحديث بطوله، ورواه ابن أبي شيبة: حدثنا زيد بن الحباب حدثنا موسى بن عبيدة، الربذي حدثني صدقة بن يسار (عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، قال: إن هذه السورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسط أيام التشريق بمنى وهو في حجة الوداع * (إذا جاء نصر الله والفتح) * (الفتح: 1). حتى ختمها، فعرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»