عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ٦٢
لبد رأسه وجب عليه الحلاق، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك أمر الناس عمر بن الخطاب وابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، وهو قول مالك والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وكذلك لو ضفر رأسه أو عقصه كان حكمه حكم التلبيد، وفي (كامل) ابن عدي من حديث ابن عمر مرفوعا: (من لبد رأسه للإحرام فقد وجب عليه الحلق)، وقال أبو حنيفة: من لبد رأسه أو ضفره فإن قصر ولم يحلق أجزأه، وروي عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، أنه كان يقول:
من لبد أو عقص أو ضفر فإن نوى الحلق فليحلق، وإن لم ينوه فإن شاء حلق وإن شاء قصر. وقال شيخنا زين الدين في شرح الترمذي: إن الحلق نسك. قاله النووي، وهو قول أكثر أهل العلم، وهو القول الصحيح للشافعي. وفيه خمسة أوجه أصحها: أنه ركن لا يصح الحج والعمرة إلا به. والثاني: أنه واجب. والثالث: أنه مستحب. والرابع: أنه استباحة محظور. والخامس: أنه ركن في الحج واجب في العمرة وإليه ذهب الشيخ أبو حامد وغير واحد من الشافعية.
6271 حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب بن أبي حمزة قال نافع كان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يقول حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته.
مطابقته للترجمة في قوله: (حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وأبو اليمان الحكم بن نافع، قال بعضهم: والحديث طرف من حديث طويل أوله: لما نزل الحجاج بابن الزبير، نبه عليه الإسماعيلي. قلت: روى مسلم من حديث نافع أن ابن عمر أراد الحج عام نزول الحجاج بابن الزبير... الحديث، وفيه: (ولم يحلل من شيء حرم منه حتى كان يوم النحر، فنحر وحلق).
قوله: (في حجته)، وهي حجة الوداع، يدل عليه الأحاديث الكثيرة وأما قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم ارحم المخلقين) ففيه خلاف وقال بعضهم كان في حجة الوداع وقال القاضي عياض: كان يوم الحديبية حين أمرهم بالحلق، على ما نذكره عن قريب، ويحتمل أنه كان في الموضعين وهو الأشبه، لأن جماعة من الصحابة توقفت في الحلق فيهما.
ثم الكلام في حلق النبي صلى الله عليه وسلم وما يتعلق به على أنواع.
الأول في كيفية حلقه صلى الله عليه وسلم: روى مسلم من حديث أنس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى من منى فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر، وقال للحلاق: خذ، وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس). وروى الترمذي من حديث أنس أيضا قال: (لما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة نحر نسكه، ثم ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه، فأعطاه أبا طلحة، ثم ناوله شقه الأيسر فحلقه فقال: أقسمه بين الناس). ثم ظاهر رواية الترمذي أن الشعر الذي أمر أبا طلحة بقسمته بين الناس هو شعر الشق الأيسر، وهكذا رواية مسلم من طريق ابن عيينة، وأما رواية حفص بن غياث وعبد الأعلى ففيهما أن الشق الذي قسمه بين الناس، هو الأيمن، وكلا الروايتين عند مسلم، وأما رواية حفص فقال أبو كريب عنه: فبدأ بالشق الأيمن فوزعه الشعرة والشعرتين بين الناس، ثم قال بالأيسر، فصنع مثل ذلك. وقال أبو بكر في روايته عن حفص، قال للحلاق: وها، وأشار بيده إلى الجانب الأيمن هكذا، فقسم شعره بين من يليه، قال: ثم أشار إلى الحلاق إلى الجانب الأيسر فحلقه، فأعطاه أم سليم، وقال يحيى بن يحيى في روايته عن حفص، ثم قال للحلاق: خذ، وأشار إلى جانبه الأيمن، ثم للأيسر، ثم جعل يعطيه الناس، فلم يذكر يحيى بن يحيى في روايته أبا طلحة ولا أم سليم، وأما رواية عبد الأعلى فقال فيها: وقال بيده، فحلق شقه الأيمن فقسمه فيمن يليه، ثم قال: إحلق الشق الآخر. فقال: أين أبو طلحة؟ فأعطاه إياه.
وقد اختلف أهل الحديث في الاختلاف الواقع في هذا الحديث، فذهب بعضهم إلى الجمع بينهما، وذهب بعضهم إلى الترجيح لتعذر الجمع عنده، وقال صاحب الفهم: إن قوله: (لما حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم شق رأسه الأيمن أعطاء أبا طلحة)، ليس مناقضا لما في الرواية الثانية أنه قسم شعر الجانب الأيمن بين الناس، وشعر الجانب الأيسر أعطاه أم سليم، وهي امرأة أبي طلحة وهي أم أنس، رضي الله تعالى عنها.. قال: وحصل من مجموع هذه الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما حلق الشق الأيمن ناوله أبا طلحة ليقسمه بين الناس، ففعل أبو طلحة، وناول شعر الشق الأيسر ليكون عند أبي طلحة، فصحت نسبة كل ذلك إلى من نسب إليه، والله أعلم. وقد جمع المحب الطبري في موضع إمكان جمعه، ورجح في مكان تعذره، فقال: والصحيح أن الذي وزعه على الناس الشق الأيمن، وأعطى الأيسر أبا طلحة وأم سليم، ولا تضاد بين الروايتين، لأن أم سليم امرأة أبي طلحة، فإعطاه، صلى الله عليه وسلم، لهما، فنسب العطية تارة إليه وتارة إليها. انتهى. وفي رواية أحمد
(٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 ... » »»