فإن قلت: روى نافع عن ابن عمر أنه قال: من لم يقف بعرفة ليلة المزدلفة قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج. وعن عروة بن الزبير مثله، ورفعه ابن عمر مرة:
* من فاته عرفات بليل فقد فاته الحج)، وعن عمرو بن شعيب رفعه، قال: (من جاوز وادي عرفة قبل أن تغيب الشمس فلا حج له)، وعن معمر عن رجل عن سعيد بن جبير رفعه: (إنا لا ندفع حتى تغرب الشمس) يعني: من عرفات: قلت: ابن حزم ضعف هذه كلها ووهاها. وعن عروة بن مضرس الطائي مرفوعا: (من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه)، رواه أصحاب السنن الأربعة، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، والله تعالى أعلم.
29 ((باب السير إذا دفع من عرفة)) أي: هذا باب في بيان صفة السير إذا دفع من عرفة يعني إذا انصرف منها، وتوجه إلى المزدلفة، وفي بعض النسخ من عرفات قال الفراء: عرفات اسم في لفظ الجمع ولا واحد له، وقول الناس: نزلنا عرفة شبيه بالمولد، وليس بعربي محض.
6661 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال سئل أسامة وأنا جالس كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في حجة الوداع حين دفع قال كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص.
مطابقته للترجمة في قوله: (كان يسير العنق)، فإنه صفة سيره إذا دفع من عرفة، وعن قريب يأتي تفسيره.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الجهاد عن أبي موسى، وفي المغازي عن مسدد، كلاهما عن يحيى ابن سعيد. وأخرجه مسلم في المناسك عن أبي الربيع الزهراني وقتيبة، كلاهما عن حماد بن زيد وعن أبي بكر عن عبدة بن سليمان وعبد الله بن نمير وحميد بن عبد الرحمن. وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي عن مالك. وأخرجه النسائي فيه عن يعقوب بن إبراهيم، وعن عبد الله بن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين. وأخرجه ابن ماجة فيه عن علي بن محمد الطنافسي وعمرو بن عبد الله الأودي.
ذكر معناه: قوله: (سئل أسامة)، وهو أسامة بن زيد بن حارثة، حب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومولاه سمع النبي وتوفي في آخر خلافة معاوية. قوله: (وأنا جالس)، الواو فيه للحال، وفي رواية النسائي من طريق عبد الرحمن ابن القاسم عن مالك: وأنا جالس معه، وفي رواية مسلم من طريق حماد بن زيد عن هشام عن أبيه: سئل أسامة وأنا شاهد، أو قال: سألت أسامة بن زيد. قوله: (في حجة الوداع)، سميت به لأنه صلى الله عليه وسلم ودع الناس فيها. وقال: (لا ألقاكم بعد عامي هذا) وغلط من كره تسميتها بذلك، وتسمى البلاغ أيضا، لأنه قال: صلى الله عليه وسلم فيها: (هل بلغت؟) وحجة الإسلام لأنها التي حج فيها بأهل الإسلام ليس فيها مشرك. قوله: (حين دفع)، أي: من عرفات، أي: انصرف منها إلى المزدلفة، وفي رواية يحيى بن يحيى وغيره عن مالك في (الموطأ): حين دفع من عرفة. قوله: (العنق)، بفتح العين المهملة وفتح النون، وفي آخره قاف، قال في (الموعب) لابن التياني: هو سير مسبطر، وقال معمر: هو أدنى المشي، وهو أن يرفع الفرس يده ليس يرفع هملجة ولا هرولة. وفي (التهذيب) للأزهري: العنق والعنيق ضرب من السير، وقد أعنقت الدابة. وقال ابن سيده: فهي معنق ومعناق وعنيق. وفي (المخصص) عن الأصمعي: من المشي العنق وهو أوله، وقال القزاز: ولم يقولوا عنقه. وفي (كتاب الاحتفال) لابن أبي خالد في صفات الخيل: ومن أنواع سير الإبل والدواب العنق، وهو سير سهل مسبطر، تمد فيه الدابة عنقها للاستعانة، وهو دون الإسراع. وفي (المجمل): هو نوع من سير الدواب طويل. قوله: (فإذا وجد فجوة) الفجوة والفجواء ممدود، قال ابن سيده: هو ما اتسع من الأرض، وقيل: ما اتسع منها وانخفض. وقال النووي: رواه بعضهم في (الموطأ) بضم الفاء وفتحها، ورواه أبو مصعب ويحيى بن بكير وغيرهما عن مالك بلفظ: فرجة، بضم الفاء وسكون الراء. (وهو)، بمعنى الفجوة. قوله: (نص) فعل ماض، وفاعله النبي صلى الله عليه وسلم أي: أسرع. وفي (كتاب الاحتفال): النص والنصيص في السير أن تسار الدابة أو البعير سيرا شديدا حتى تستخرج أقصى ما عنده، ونص كل شيء منتهاه.