عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ١١٣
وهو افتعلت، وأقط طعامه يأقطه أقطا: عمله بالأقط، وهو مأقوط، ويقال له بالفارسية: ماستينه، وبالتركية: قراقرط، وبالتركمانية: قرط، بضم القاف والراء، بلا لفظ: قرا.
ذكر ما يستفاد منه: وهو على وجوه: الأول: احتج به الشافعي على أن صدقة الفطر من القمح صاع، وقال: المراد بالطعام البر في العرف، وقال أصحابه، لا سيما في رواية الحاكم: صاعا من حنطة، أخرجها في (مستدركه) من طريق أحمد بن حنبل عن ابن علية عن أبي إسحاق عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام (عن عياض بن عبد الله قال: قال أبو سعيد وذكر عنده صدقة الفطر، فقال: لا أخرج إلا ما كنت أخرجه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من تمر أو صاعا من حنطة أو صاعا من شعير، فقال له رجل من القوم: أو مدين من قمح؟ فقال: لا، تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها). وصححه الحاكم، ورواه الدارقطني في (سننه) من حديث يعقوب الدورقي عن ابن علية سندا ومتنا كما ذكرناه، ومن الشافعية من جعل هذا الحديث حجة لنا من جهة أن معاوية جعل نصف صاع من الحنطة عدل صاع من التمر والزبيب. وقال النووي: هذا الحديث معتمد أبي حنيفة، ثم أجاب عنه بأنه فعل صحابي، وقد خالفه أبو سعيد وغيره من الصحابة ممن هو أطول صحبة منه واعلم بحال النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر معاوية بأنه رأى لا قول سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، قلنا: أما قولهم: إن الطعام في العرف هو البر فممنوع، بل الطعام يطلق على كل مأكول، كما ذكرناه، بل أريد به ههنا غير الحنطة، والدليل عليه ما وقع في رواية أبي داود: (صاعا من طعام صاعا من أقط). فإن قوله: (صاعا من أقط) بدل من قوله: (صاعا من طعام) أو بيان عنه، ولو كان المراد من قوله: (صاعا من طعام) هو البر لقال: أو صاعا من أقط بحرف: أو، الفاصلة بين الشيئين. فإن قلت: في رواية الطحاوي بأو الفاصلة بين الشيئين كما مر؟ قلت: كفى لنا حجة رواية أبي داود على ما ادعينا مع صحة حديثه بلا خلاف، ومما يؤيد ما ذكرناه ما جاء فيه عند البخاري: (عن أبي سعيد، قال: كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعا من طعام. قال أبو سعيد: وكان طعامنا: الشعير والزبيب والأقط والتمر). وأما ما رواه الحاكم فيه (أو صاعا من حنطة)، فقد قال أبو داود: إن هذا ليس بمحفوظ، وقال ابن خزيمة فيه: وذكر الحنطة في هذا الخبر غير محفوظ، ولا أدري ممن الوهم، وقول الرجل له: أو مدين من قمح؟ دال على أن ذكر الحنطة في أول الخبر خطأ، ووهم، لو كان صحيحا إذ لم يكن لقوله: أو مدين من قمح؟ معنى. وقد عرف تساهل الحاكم في تصحيح الأحاديث المدخولة، وأما قول النووي: إنه فعل صحابي، قلنا: قد وافقه غيره من الصحابة الجم الغفير بدليل قوله في الحديث: (فأخذ الناس بذلك)، ولفظ: الناس، للعموم، فكان إجماعا، والله أعلم.
واعلم أن مذهب مالك وأحمد وإسحاق مثل مذهب الشافعي في تقديره بالصاع في البر، وقال الأوزاعي: يؤدي كل إنسان مدين من قبح بمد أهل بلده، وقال الليث: مدين من قمح بمد هشام وأربعة أمداد من التمر والشعير والأقط. وقال أبو ثور: الذي يخرج في زكاة الفطر صاع من تمر أو شعير أو طعام أو زبيب أو أقط إن كان بدويا، ولا يعطي قيمة شيء من هذه الأصناف، وهو يجدها. وقال أبو عمر: سكت أبو ثور، رحمه الله تعالى، عن ذكر البر، وكان أحمد، رضي الله تعالى عنه، يستحب إخراج التمر. والأصل في هذا الباب اعتبار القوت وأنه لا يجوز إلا الصاع منه. والوجه الآخر: اعتبار التمر والشعير والزبيب أو قيمتها على، ما قاله الكوفيون، وقال صاحب (الهداية) رحمه الله تعالى: الفطرة نصف صاع من بر أو دقيق أو سويق أو زبيب، أو صاع من تمر أو شعير. وقال أبو يوسف ومحمد: الزبيب بمنزلة الشعير، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة، والأول رواية محمد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة، وهي رواية (الجامع الصغير) ونصف صاع من بر مذهب أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وجابر بن عبد الله وأبي هريرة وابن الزبير وابن عباس ومعاوية وأسماء بنت أبي بكر الصديق وسعيد بن المسيب وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز وطاووس والنخعي والشعبي وعلقمة والأسود وعروة وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وأبي قلابة عبد الملك بن محمد التابعي والأوزاعي والثوري وابن المبارك وعبد الله بن شداد ومصعب بن سعيد. قال الطحاوي: وهو قول القاسم وسالم وعبد الرحمن ابن قاسم والحكم وحماد، ورواية عن مالك ذكرها في الذخيرة، واحتج أصحابنا في هذا بما رواه أبو داود من حديث
(١١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 ... » »»